لطالما كانت الكلمات التي يلقيها الرؤساء سنويا أمام الجمعية للأمم المتحدة كاشفة لكثير من السياسات التي قد ينتهجها المتحدث في الفترات المقبلة حتى وإن غلف مواقفه واطروحاته بكثير من الدهاء السياسي عبر استخدام مصطلحات فضفاضة صالحة لكثير من الاحتمالات.

تابعت خلال الأسبوع الماضي خطاب الرئيس بايدن في الأمم المتحدة والذي بدى متناقضا بشكل صارخ مع خطاب الرئيس دونالد ترامب في مقر الجمعية قبل عام لكن الخطاب جاء أيضا وسط شكاوى من أن بعض تحركات بايدن السياسية عكست نهج سلفه وبالتالي لازال الحلفاء والخصوم يحاولون فهم الأبعاد المحتملة لسياساته الخارجية مع قناعتي الشخصية بأن أسلوب جو بايدن لا يشبه أبداً أسلوب دونالد ترامب فهو ينتمي إلى مدرسة (تُجزّئ الأهداف)، وتتواصل مع العدو، وتستمع للخصم وتقود الحليف، رغماً عنه، إلى ما تعتبره هي مصلحة له ولها.

في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قال الرئيس بايدن إن الولايات المتحدة تشرع في حقبة جديدة من الدبلوماسية التعاونية لحلّ التحديات العالمية...لكن الحقيقة ان جميع جهود بايدن الدبلوماسية في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة كان يُخيّم عليها ويُعقّدها إرث الرئيس دونالد ترامب.

وقبل أن نقرأ اليوم في مواقف الخصوم والحلفاء من سياسات بايدن بعد هذه الفترة التي مضت على دخوله البيت الأبيض أقول إنه وبعد هذا الخطاب عاد السؤال المطروح بقوة عن نظرة خصوم بايدن وكذلك حلفائه لسياساته الخارجية وكثرت القراءات والتحليلات  في مختلف وسائل الإعلام العربية والدولية، حول السياسة الخارجية  للرئيس الأميركي جو بايدن، فهاهم حلفائه في الشرق الأوسط وتحديدا المنطقة العربية بين متفائل بتغير إيجابي وبين متحفظ على ذلك من باب واقعية البعد التاريخي للعلاقات العربية مع الولايات المتحدة، المنحازة لإسرائيل، ديمقراطية كانت الإدارة أم جمهورية، وهنا يجب علينا أن لا ننسى أن الرئيس بايدن قضى 36 عاماً في الكونغرس، وتشكلت مبادئه في السياسة الخارجية خلال المواجهة مع الاتحاد السوفيتي، وينتمي لنوعية الديمقراطيين الذين ما زالوا يؤمنون بالنظام الأميركي، وأهمية التعاون مع الحلفاء لترسيخه، وهو يختلف بشكل أساسي عن الرئيس باراك أوباما، الذي يُعدّ ديمقراطياً حديثاً، ولم يقضِ وقتاً طويلاً في الكونغرس، حيث ساعدته بلاغته وشخصيته الكاريزمية بوصوله السريع للبيت الأبيض وهنا يجدر بنا  كذلك من وجهة نظري أن نتوقف عند موقف الديمقراطيين تاريخيا من الخصوم والحلفاء فمثلا كان الحوار مع الخصوم ومد اليد إليهم من أبرز المفاهيم التي وعد وارتبط بها باراك أوباما عندما جاء إلى الحكم، وكانت بلاد ونظم مثل إيران وكوريا الشمالية بوجه خاص مما ينطبق عليها هذا المفهوم فضلاً عن دول مثل روسيا التي أورثه جورج بوش علاقات متوترة معها.

هنا في واشنطن يستغرب بعض أعضاء الكونغرس أن تُترك منطقة مثل الشرق الأوسط تواجه مصيرها بالوقوع تحت حكم التسلط تحت عناوين ديمقراطية جوفاء، وأن يضطر بعض دولها  إلى اللجوء إلى قوى بديلة لسد الفراغ الذي خلّفه الغياب الأميركي إلا أن هذا القول في رأيي  لا بد أن يأخذ في الاعتبار عددا من العوامل، أبرزها محددات فلسفة بايدن وفريقه لما يجب أن تكون عليه السياسة الأميركية في عهده ودور الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، وتحديدا بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، في ذلك، إضافة إلى درجة تفاعل العواصم العربية، على اختلاف مصالحها، مع قرارات الإدارة الأميركية  ولا يخفى هنا أن شعور أعداء وخصوم واشنطن في الشرق الأوسط بالارتياح.

بعد دخول جو بايدن إلى البيت الأبيض، إنّما كان ينطلق من معرفتهم بأصول المدرسة التي ينتمي إليها وفق ما سبق أن طبّقته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما في قضايا الشرق الأوسط وبالتالي فإدارة البيت الأبيض  ستقع فلسفيا بين التأثر بسياسة الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، الذي عمل بايدن نائبا له لثماني سنوات، والقائمة على الحوار في الغالب سبيلا للعلاقات الدولية وسياسة الاحتواء للخلافات والصراعات في المنطقة والعالم، وبين معارضة بايدن وطاقمه لمعظم ما قام به الرئيس الجمهوري، دونالد ترامب، والذي كان لمزاجيته وسياساته الإملائية الأثر الأكبر في كل قراراته.

الخصوم والحلفاء يتوقعون في غالبيتهم

 أن تنتهج إدارة بايدن سياسة توازن فيها بين النهجين، الأوبامي والترامبي خصوصا في المنطقة العربية وأيضا فإن العالم سيلحظ أن إرث الرئيس السابق دونالد ترامب سيلقى بظلاله على جميع جهود بايدن الدبلوماسية على الدوام  ولعل افتتاحية صحيفة غلوبال تايمز الصينية المتشددة شرحت ذلك التخبط الذي يحس به الخصوم والحلفاء من محاولة فهم سياسات بايدن حيث كتبت  ("إذا كانت الإدارة الأميركية التالية إدارة جمهورية مجدداً، فمن المرجح للغاية أن تلغي الوعود التي أبرمها بايدن" - وهي نقطة أثارها الإيرانيون أيضاً بشأن العودة المحتملة إلى الاتفاق النووي المبرم عام 2015، والذي انسحب منه ترامب فجأة).

في الخلاصة ستبقى آمال الحلفاء معلقة على تلك الروح العالمية التي يحملها بايدن في سياسته الخارجية وذلك التناقض الصارخ مع تبجح ترامب غير الدبلوماسي حتى وإن رأى خصوم بايدن أن بعض تحركات سياسة بايدن الخاصة تحمل أصداءاً من نهج ترامب قد لا يوافقهم عليه معظم الخبراء والمحللين.