هنالك احتمال وارد – إذا ما تجاوز الاستفزاز الغربي للصين ما بعد تحالف AUKUS – أن تعمد الأخيرة إلى تكرار تطبيق ما استفادت منه في مشاكسة الولايات المتحدة وحلفائها الباسيفيكيين بواسطة الحليف الكوري الشمالي، بإلهاء الولايات المتحدة في الخليج بواسطة حليفها الإيراني.
بمقاربة يمكن تسميتها بالـ North Koreanization للوضع الإيراني. وهي – سياسياً – مخطئة إن لم تستعد تماماً لذلك، ونحن أكثر خطاً إن لم نستعد معها لذلك!
في خضمّ الاحتقان التجاري-العسكري بين القطبين، ثمّة نواقص تحتاج إيران إلى تلبيتها، فهي إن تعرضت لضغط في ملف التخصيب يتزامن مع ضغط مشابه على مصالح حرجة في صادرات الصين، فحينئذٍ سوف تتطابق سياسة حافة الهاوية لدى الحليفين، وما أعظم الخطب إن أوقفت الصين – في اضطرار شمشوني – الحركة الملاحية الكاملة في مضيقي هرمز (إيرانياً) وباب المندب (حوثياً) – وهي التي يورثها اتفاق الربع قرن مع إيران السيطرة على الملالي والمليشيات الخارجية التي تدين لهم بالطاعة. أستبعد التعويل على الهند في تحالفها مع أمريكا أو دول الخليج، لقدرة الصين على استنزافها بواسطة حليفتها في طريق الحرير باكستان – تذكروا هذا استعراض لسيناريو حافة الهاوية.
هنا تحسن دول مجلس التعاون إذ تجمع المزيد من مصالح بكّين المتقدمة التي لا تحتاج إلى مساجلات الكونغرس ومجلس الشيوخ في واشنطن، في مزادٍ مع مصالح واشنطن المتقدمة، وبذلك يتم تحييد قدرات المساومة لدى إيران أو استخدامها صينياً، وتعطيل أو إيقاف تخلي أمريكا عن المنطقة أو تمكينها لإيران عن قصد أو إهمال. من أمثلة المصالح المتقدمة – والتي تنقلنا أيضاً إلى موازنة حساسة – محطة فضاء صينية ترفد برامج الفضاء الخليجية الناشئة. يمكن أيضاً استضافة معاهد لتوطين علم التسلّح، تتبع الصين وروسيا – والأخيرة مهمة لتقوية التعاون وجعله متعدد الجبهات، لتحييد التدخل الأوروبي المحتمل إلى جانب أمريكا بضغوط ذرائع حقوق الإنسان، وقد يشمل ذلك التلويح بأنصبة غاز خط نوردستريم 2. وهذا بالأخص مهم للغاية لأن سلاح إيران ومليشياتها الذي نتعرض لهجماته في الخليج هو سلاح شرقي المنشأ وإبطاله بمضادات شرقية غير مشروطة أنجع وأولى من المضادات الأمريكية المسحوبة بذريعة إعادة التموضع بالقرب من بحر الصين الجنوبي.
يمكن أيضاً استضافة معاهد تسهم في التأسيس للإنترنت الوطني أو الإقليمي لدول مجلس التعاون وإعداد كوادره المحلية، لتحصين الوجود والاقتصاد الرقميين لهذه الدول من الهجمات والجرائم السيبرانية، والضرر الجانبي للهجمات المتبادلة بين المعسكرين الرقميين الشرقي والغربي، وأيضاً للتأسيس لما قد يسفر عنه المستقبل من الاضطرار لتسليع النطاقات الجغرافية للعناوين الرقمية كمدخول اقتصادي لمساحة عقارية رقمية، وأيضاً لجهود عالمية واردة تشمل فرض إيجارات وطنية أو إقليمية على عمالقة التكنولوجيا والتطبيقات المتاجرة بالبيانات الضخمة نظير اشتغالها في النطاق المحدد. وكلتا الدولتين ضليعتين في الاستقلال الرقمي وترسيم حدود سيادته السيبرانية.
يبقى اقتراح آخر، وهو استغلال اتساع سطوة الصين على مخزون المعادن النادرة الضرورية لطاقة المستقبل وبطاريات وسائل المواصلات ومختلف الإلكترونيات والوقود الصّلب للصواريخ – خاصةً مع التعاون الوارد مع أفغانستان الغنية بذات الموارد، حيث غابت أمريكا وحكمت طالبان. وهنا يمكن تمويل الاستكشاف والبحث والتطوير في بقاع الدول المتعاونة، وفي أراضي الخليج – المحتمل احتواؤها على كميات جيدة من بعض هذه المعادن النفيسة والضرورية، ضمن مختبر ضخم يحترق ويباع فيه النفط ومشتقاته لتمويل البحث والتطوير للتحوّل إلى طاقة بديلة منتجة محلياً أو منتجة وفق شراكة مع ملاّك أكبر مخزوناته.
هذا سيناريو لا يرجى حدوثه، ولكن شطحات الساسة وأطماع الأقوياء تجعل من الوارد بل من المطلوب استباق أصحاب المكتسبات السياسية الأفضل وفق شروطنا الإقليمية، قبل أن تتمكن من فرضها علينا بحجّة الاضطرار والضغط المضاد، حتى وإن لم نكن الهدف الرئيسي، إلا أننا – والحق يقال – خير ما يضرب به ولأجله خصم الصين، مهما حدث لنا! تقول الشاعرة الأمريكية والناشطة في الحقوق المدنية مايا آنجيلو: "تمنوا الأفضل واستعدوا للأسوأ ولا تتفاجأوا بأي شيئ يحصل بينهما"، وهي نصيحة من فصل الخطاب، أمام انتهازية غربية تنسى ما مضى، وأخرى شرقية وفية، والشواهد كثر.