ما أن تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي عن ضرورة تقبل الآخر في المجتمع أيا كان معتقده الديني حتى ثارت ثائرة أهل الفكر الظلامي وراحوا يتهمون الرئيس بالتهاون في أمر الدين.
ليس هذا بالمستغرب منهم فهم لا يعنيهم من تصريحات الرئيس السيسي سوى أن يهاجموه بعدها أيا كان ما قال، ولو كانت تلك التصريحات قد صدرت عن رئيسهم المخلوع أو بعض من ينتمون لتيارهم لراحوا يهللون ويكبرون ويمتدحون حكمته وسعة أفقه.. وبالتأكيد لا تصدر مثل تلك التصريحات عمن هم على شاكلتهم.. فهم قوم يُلَقَنون التعصب منذ نعومة أظفارهم وينشرونه أينما ولوا وجوههم!
فبالله كيف لمن يطعنون في دين من يشهد نفس الشهادتين ويصلي لذات القبلة ويزايدون على إيمانه فقط لأنه يختلف عنهم رأيًا وتوجهًا أن يتقبلوا من يختلف عنهم في العقيدة؟
وهو تناقض مفضوح منهم مع ترويجهم الكاذب أنهم يريدون إعادة إحياء نموذج الحضارة الإسلامية.. فتلك الحضارة التي هي من ظلاميتهم بريئة، كان من أسرار عظمتها في أيام عزها أنها كانت تحتضن أهل مختلف الأديان والمعتقدات والمذاهب، وتضفي عليهم حمايتها وتشجعهم للعطاء والمشاركة الفاعلة في بناء الحضارة علمًا وفنًا وثقافةً وحكمًا، في وقت كان باقي العالم فيه يتمزق في حروب مذهبية وطائفية.
حضارة عظيمة قال مؤسسها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إن كل الناس سواء بينما كانت الإمبراطوريتان الفارسية والبيزنطية تتباريان في اضطهاد من يخالفهما دينًا ومذهبًا.. حضارة ضمت حواضرها مثل دمشق وبغداد والقاهرة وقرطبة وغرناطة وغيرها المسلمين والمسيحيين واليهود والصابئة وغيرهم بينما كانت محاكم التفتيش في أوروپا تفتش في ضمائر الناس وتدفع المخالفين لها إلى المحارق زمرًا وزرافات.
هي حضارة لا يستطيعون فهمها وهم من يهللون لهذا الشيخ أو ذاك ممن هم على شاكلتهم لو أساء إلى عقائد ومشاعر غيره ويهتفون له "إضرب يا شيخ! إجلد يا شيخ!" ويصفون أقوالهم أوصافًا عنيفة على غرار "القول الصاعق" و"القول الساحق" و"القول الحارق" وينسون أن الله تعالى قد أمر موسى وهارون أن يقولا "قولًا لينًا" لفرعون نفسه الذي قال "أنا ربكم الأعلى".. ويتهكمون على من التزم حسن الأدب من المسلمين في نقاشه مع غير المسلمين ويصفونه بـ"المسلم الكيوت " باعتبار أنه على حد قولهم "مائع في دينه" وينسون أن الله تعالى قد قال في كتابه العزيز "إدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"!
فلك إذن أن تتخيل انزعاجهم من أي حديث عن تقبل الآخر المختلف عقائديًا.. ليس غضبًا منهم للدين كما يروجون وإنما لإنهم يرون في مثل هذا التوجه من الدولة قضاءً على البيئة الفاسدة التي لطالما سعوا لفرضها على المجتمع المصري ليجعلوه قسرًا ملائمًا لنشر أفكارهم الفاسدة..