قبل ساعات قليلة وعندما صرحت كامالا هاريس نائبة الرئيس الأميركي جو بايدن بأن الأميركيين المسلمين تعرضوا للاستهداف والعنف والتمييز والممارسات العنصرية عقب أحداث 11 سبتمبر من عام 2001 لم ترق هذه التصريحات لكثير من الشعب الأميركي.
وكثير كذلك من أعضاء الكونغرس الذين يرون في الإسلام عدوا يتوزع مناصروه في العالم على مبدأ العقيدة وليس المواطنة بالرغم من أن هاريس أكدت خلال تصريحاتها أن المواطنين الأميركيين وقفوا إلى جانب إخوانهم المسلمين الذين تعرضوا للعنف في ذلك الوقت، مشيرة إلى أن الإنسانية هي ما يجمع الولايات المتحدة.
ومهما يكن من أمر فإن الـ20 عاما التي مضت على ذلك الحدث المروع غيرت كثيرا من قناعات الأمم والشعوب والدول لكن تأثيرها يبدو بشكل لا لبس فيه أكثر طغيانا على العالم الإسلامي ذلك أن الشعوب العربية والإسلامية توقفت كثيرا بل وعانت من صعود خطاب الكراهية تجاهها فقد ذكرت إحدى التقارير الصادرة حديثا هنا في واشنطن أنه في عام 2002 أي بعد عام واحد فقط من تلك الأحداث كانت الخطابات المناهضة للمسلمين في العالم الغربي قد زادت.
كما صدرت دراسة مهمة تبين أن العمليات الإرهابية زادت بمعدل أربعة أضعاف حول العالم عما كانت عليه قبل 2001 وأصبح العرب والمسلمون يقرأون في عيون الغرب نيران الكراهية التي لا يمكن إنكارها.
اليوم بعد 20 عاما أصبح رعب الإسلاموفوبيا يتجدد كلما حان وقت ذكرى 11 سبتمبر وهذا أمر بديهي، إذ أن ظاهرة الإسلاموفوبيا تنامت خلال السنوات الماضية وزاد من تناميها ظهور داعش وترسخت الصورةِ النمطية للإنسان العربيَّ في هيئة الإرهابي، القاتل، الرافض لمن لا ينتمي لما يؤمن به.
لكن الحق أن هناك أشياء كثيرة تغيرت في نفوس وقناعات المسلمين خلال العقدين الماضيين ذلك أنه ومنذ أعلنت واشنطن بعد تلك التفجيرات خطتها لنشر الديمقراطية في العالم العربي والاسلامي وأيضا ما حدث من شرخ داخل نفسية الإنسان العربية بسبب أحداث الربيع العربي الذي سيبقى الإنسان العربي يدفع ثمنه طويلا بعد أن سار ولو عن غير قصد أو وعي مع خطة "الشرق الأوسط الجديد"، التي انتهجت استراتيجية "الفوضى الخلاقة" وفق تعبير كونداليزا رايس، وهي الاستراتيجية التي أنتجت "الربيع العربي".
وهنا لابد من الاعتراف بأن الإسلام السياسي فشل كمشروع إدارة للسلطة والمجتمع عبر دولة إسلامية والمثال على ذلك بوضوح هو حكم جماعة "الإخوان المسلمون"، الذين فشلوا بسبب خسارة قاعدتهم الشعبية كما حدث في مصر مثلا أو كما حدث في تونس، حيث فقدوا قدرتهم على جذب الشرائح الرافضة في المجتمع، مع دخولهم في اللعبة الديمقراطية لكن لا يغيب عن البال تجدد مشروع الأصولية الجديدة والأسلمة الثقافية للمجتمع خارج أي نموذج سياسي كما نرى في بعض الجماعات السلفية في بعض الدول الإسلامية.
وأرى أنه وبعد هذه السنوات الطويلة كانت قضية الهوية والوطن والعروبة ونظرة الغرب للشرق الأوسط وماذا سيتغير في العالم الإسلامي مستقبلا وغيرها هي الطاغية منذ كتب أمين معلوف كتابه (الهويات القاتلة) وتلاه صدور كتابي (إمرأة تبحث عن وطن) وما تلا كتاب أمين معلوف من ردود غير مباشرة على كتابه وآخرها تلك الانعكاسات السلبية، التي أسهم فيها الكاتب الفرنسي اليميني المتطرف رينو كامو عبر كتابه (الإحلال الكبير) الذي حذّر فيه من أن المسلمين سيحلوا محل السكان الأصليين واليهود، وهو ما أسهم في تأجيج كراهية العرب والمسلمين في فرنسا والغرب عموما فإنه يجب أن نسأل أنفسنا ما الذي تغير في العالم العربي والإسلامي خلال العقدين الماضيين وهو سؤال كبير جدا؟
ولنبدأ هنا بهذا الموضوع (الهوية) فلم تعد فكرة تحقيق المواطنة مشروطة بالانتماء الديني في البلدان العربية وأصبح لدينا الآن جيل أكثر تسامحاً، وأقل تشدداً حول الموضوع (الهوياتي) من الأجيال السابقة وهو الموضوع الذي كما قلت سابقا كان المؤرق لمعظم الرموز الأدبية في العالم العربية وأيضا فقد كان هناك الحوار بين الأديان الذي طرحه العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز منذ زيارته الشهيرة للفاتيكان وأدرك المسلمون انهم بحاجة إلى محاولة تمثيل دينهم، والمشاركة بشكل أكبر في الحوار بين الأديان.
وقد يكون هذا هو الإرث الإيجابي الأوضح لأحداث 11 سبتمبر فقد أدرك العرب الحاجة إلى بناء تحالفات مع المجتمعات الأخرى.
أما على مستوى الجماعات الدينية فقد سمعنا جميعا قبل أيام تصريح المتحدث باسم حركة طالبان والذي قال فيه: "الصين هي أهم شريك لنا، وتمثل فرصة كبرى واستثنائية بالنسبة لنا" ولا يخفى علمه هو وحركته بما تُتهم به الصين من ممارسة الاضطهاد الواسع النطاق بحق السكان المسلمين وبعبارة أخرى يمكنني الإشارة هنا إلى أن أكثر الحكومات الإسلامية تشددا من الناحية الإيديولوجية في العالم وهي هنا طالبان تعلن أن أقرب حليف لها سيكون بلداً منخرطاً فيما يسميه العديد من المراقبين بـ(إبادة ثقافية ضد المسلمين)، وهذا وللأسف يؤكد أن الهدف الأسمى للحركات الإسلامية المتشددة كان دوماً الوصول إلى السلطة وبالتالي يمكن القول هنا بوضوح انه وبعد أن دفعت طالبان ثمنا باهظا لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، "تمتلك طالبان حافزا قويا لتجنب دعم الإرهاب الدولي.
ولا يزال بإمكان الولايات المتحدة قصف أفغانستان، والضغط على طالبان اقتصاديا، وجعلها تدفع ثمنا باهظا إذا تعاونت مع "القاعدة".
أيضا فإن العالم الإسلامي اليوم أصبح هو وليس غيره المعني بما كان يعرف بـ(صراع الحضارات)حيث صار الصراع داخله هو فقط بين الأنظمة القائمة وحركات المعارضة الإسلامية، أو بشكل أوضح بين المعتدلين والجماعات الدينية المتطرفة فقد فتحت المجتمعات العربية أمام التأثيرات الثقافية والتعليمية الأجنبية، واليوم تقيم دول عربية علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وتبني علاقات اقتصادية واجتماعية أقوى معها لذلك لا استغرب أن تسعى طالبان إلى اعتبار الصين أهم شريك لها، لأنه من الواضح أنها ستجد صعوبة في العثور على حلفاء في العالم الإسلامي.
في الخلاصة فإن ما جرى في الولايات المتحدة في 11 سبتمبر قبل 20 عاما مازال يلقي بظلال وخيمة على صورة الإنسان العربي، لكن من جهة أخرى فإن العالم العربي والإسلامي قد تغير كثيراً حتى لو اتهم البعض بعدم محاولة تحسين الصورة واليوم وبعد عودة طالبان إلى الحكم في أفغانستان بات هناك شيء آخر تغير في قناعات كثير من المسلمين وحتى داخل القيادات الدينية التي تعلن اليوم صراحة أننا على المستوى الشخصي والجماعي وانطلاقاً من روح المثل الانجليزي القائل (إنك لا تستطيع أن ترى النهر مرتين لا النهر هو النهر ولا أنت هو أنت) نقضي كثيرا من أوقاتنا في إعادة قراءة الماضي ونقد الذات والتعلم من أخطاءنا السياسية حتى نستطيع الدخول في ركاب العالم المتقدم فما مضى من أهوال على العالم الإسلامي خلال هذين العقدين غير الكثير الكثير من القناعات.