احتلت مكافحة الإرهاب عنوانا بارزا في مؤتمر قمة بغداد للتعاون والشراكة نهاية الأسبوع الماضي.
فقال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في كلمة خلال الافتتاح، إن "انعقاد مؤتمر بغداد يجسد رؤية العراق لضرورة التعاون، وأن الإرهاب لن يجد له موضع قدم في العراق"، مشيرا إلى أن "القضاء التام عليه يتطلب مواجهة الظروف والبيئة الحاضنة له".
وفي حين أدلى القادة المشاركون في القمة بمواقف تنادي بدعم العراق وتشيد بجهوده لمكافحة الإرهاب واستعادة سيادته، ما رسم خارطة طريق حبلى بالنوايا الطيبة الواعدة إذا ما دخلت الخطابات المثالية حيِّز التحقيق والتطبيق، وإن بالحد الأدنى.
لكن النوايا الطيبة لا تكفي، وحال العراق وغيره من الدول التي تعاني من صناعة الإرهاب فيها وتصديره إلى حيث يلزم مثال على ذلك.
ولا يمكن الخلاص بمشاركة صُنّاع إرهاب ما لتخفيف وطأة إرهاب آخر، بحيث يصبح الأعور بين العميان ملكا في نظر المجتمع الدولي. والأمر لا علاقة له بالنوايا وإنما بالمشاريع والأجندات التي يستوجبها الطموح الساعي إلى التوسع في الإقليم.
فهو يواصل سعيه إلى فرض استراتيجيته وإرغام الآخرين على القبول بها، وكأنها شر لا بد منه. وهو في الخطاب وفي الإصرار على احتلال الصورة وفي المعلومات المضخمة والمتحورة بسرعة أكبر من سرعة تحور سلالات فيروس كورونا، يهدف فقط إلى تسجيل المواقف وبعث الرسائل بغية تحسين أوراق التفاوض.
وكل ما يرتكبه تحت ستار شعار "مكافحة الارهاب"، قبل مؤتمر قمة بغداد، وبعده، أشبه بسباقٍ للاحتفاظ بفانوس علاء الدين، بما يسمح له بإطلاق عفريته وسماع عبارة "شبيك لبيك.. خادمك بين يديك" متى لزم الأمر، ومن ثم الإيحاء بالعمل على إعادة العفريت إلى حيث كان، وتسجيل نقاط انتصار وتقديم أوراق اعتماد.
والأهم مواصلة التدخل في الدول المرصودة للتوسع والسيطرة والنفوذ، ما يعكس إصرارا على استغباء الضحية وإيهامها أن جلادها منقذها، بما يتناقض مع واقع ما يجري، سواء في الدولة المستضيفة للقمة، أو الدول التي مزقها التدخل فيها إلى درجة إبادة شعبها ومؤسساتها.
ولا يمكن تجاهل مسألة أن صانع الإرهاب والتطرف قد يكون حمّال تطرف بدوره. فكره تكفيري بامتياز، يرفض الاعتراف بالآخر، لأنه وحده صاحب العقيدة الإيمانية الصحيحة.
إلا أنه يريد أن يبرهن للعالم ان تطرفه أسلس من تطرف غيره. وهنا المفارقة التي تجعل كل فريق من المتطرفين التكفيريين يحتكر الإيمان والجنة لحسابه، ولا تختلف عدته عن عدة خصمه، ولولا الرايات وما كتب عليها، والتفاصيل المتمايزة في الهندام وارخاء الذقون وما اليه، لحسبنا انهم أولاد منبت واحد وأبناء عمومة وخؤولة، سواء كان الهدف "الخلافة الإسلامية" او "الجمهورية الإسلامية" او الدفاع عن المقامات والعتبات المقدسة، ليبقى النشاط والازدهار لمواسم الاستشهاد على ضفاف الحروب المقدسة، التي تحصد البشر وتنعش أسواق الأسلحة في الدول المتحكمة بإقليمنا.
يبقى أن مسألة مهمة تغيب عن أجندة "المتطرف السلس"، وهي أن إمكانية تحرير عفريت الإرهاب من الفانوس، لا تعني التحكم به بحيث يمكن العمل للسيطرة عليه وتوظيفه حيث تتطلب المشاريع والأجندات ذلك.
ووخيمة هي تداعيات التوهم بالقدرة على إعادة العفريت إلى سجنه في غياهب التاريخ فور تحقيق الغاية المرجوة منه لوضع ركائز مصادرة السيادة والسيطرة والنفوذ.
فمثل هذه التكتيكات القائمة على الحيلة والمراوغة تغذي عفاريت الإرهاب. وقد تفلت الأمور فينقلب السحر على ساحر الفانوس. ويستفحل جنون العفريت فلا يمكن ضبطه.
وذلك ما يشير إلى أن طريق الخروج من جهنم، والقضاء التام على الإرهاب الذي "يتطلب مواجهة الظروف والبيئة الحاضنة له"ـ كما تسعى قمة بغداد، لم تبدأ بعد مسيرتها. وهي لن تبدأ إلا عندما ينكفئ صُنَّاع الإرهاب وتجفف مصادر تمويلهم للبيئة الحاضنة.
فالمعروف أن طريق جهنم المفروشة بالنوايا الحسنة، لا تزال One Way، طالما أن أي عمل علمي تطبيقي للقضاء على عفاريت الإرهاب، دونه حسابات تتحكم بها اختلافات جذرية بين المتضررين منه وبين المستثمرين فيه.