كل مشاهد الرعب القادمة من كابل التي تركت تواجه مصيرها المتكرر تاريخيا في سلاسل الحروب المستدامة، فهي العاصمة المدمنة للحرب وللصراع وللسقوط والتهاوي منذ نشأت كمدينة على جغرافية ممتدة بين القبائل التي لم تغادر القرون الوسطى حتى وإن دخل عليها القرن الحادي والعشرين بتقنيات الذكاء الاصطناعي.

واقعية اللحظة في كابل تستدعي إيقاظ القراءة حول واقعية الخطر المحدق في عدن التي كادت أن تسقط في قبضة الراديكالية الإسلاموية عندما شنت مليشيات حزب الاصلاح في اليمن حملة عسكرية مباغته لإخضاعها تحت سلطة الأمر الواقع على غرار ما حدث للعاصمة الأفغانية كابل كانت تلك الحملة في أغسطس 2019، لكنها كسرت وانهزمت على يد الحزام الأمني وهو أحد القوات الأمنية التي شكلها التحالف العربي لمكافحة الإرهاب بعد أطلق عاصفة الحزم في ربيع العام 2015.

ما أحبطته عدن كان عملا شجاعا بكل المقاييس التي نقارنها بسقوط الموصل في قبضة داعش وكابل بقبضة طالبان، غير أن إيقاظ الحادثة والمحاولة ليس من باب المناكفة كما يحاول ذلك الفريق المحتفى اليوم باستلام كابل وتلك المشهديات السريالية الموغلة في اجترار التواريخ البعيدة وتحويل عملية الاستلام والتسليم على أنها فتح إسلامي كبير فيه تتلى الآيات القرآنية وتوظف في مواضع ليست بمواضعها باستخفاف بالعقل وتوظيف للحظة الانفعالية المنفلتة بغير عقال، يربطها كذلك المشهد الفوضوي عندما يتعلق الناس بعجلات الطائرة الأميركية وهي تغادر العاصمة التي يدعي أصحاب الكهوف أنها مدينة الفتح المبين.

تجنبت عدن السقوط مرات عديدة غير أنها تشعر بمخاوف حقيقية من أن يكون مصيرها بائس كما حصل مع كابل، فمعطيات الواقع تحفز المخاوف وتبدد التفاؤل، فتزايد الأفغان العرب وهم الجماعات التي استوطنت في المحافظات الجنوبية منذ حرب صيف 1994 تتزايد مع إصرار الحكومة اليمنية عدم تنفيذ اتفاق الرياض وإصرارها على حماية المعسكرات التي تأوي المتطرفين الذين يتزايد نشاطهم وتصطادهم الطائرات الأميركية المسيرة كلما خرجوا من تلك المعسكرات في إشارة أميركية دائمة لفاعليتها في تتبع أفراد التنظيمات الجهادية في اليمن.

كانت معارك مكافحة الإرهاب شرسة في محافظات الجنوب ولم تنتهي حتى مع محاولة داعش على إعلان الإمارة الإسلامية في عدن بعد تحريرها من مليشيات الحوثي وهو ما شكل منعطف في الحرب ضد تلك الجماعات التي وجدت في شرعية مهترئة ومتواطئة مع تنظيم الإخوان المسلمين ما يمكنها من التمدد بل والاستقطاب على كل امتداد الأرض الجنوبية المحررة، هذا الواقع الذي لطالما يتجنب الإعلام إظهاره تحت كل الذرائع يبدو مكشوفا بل مفضوحا وقد سقطت كابول بيد الجماعة التي مازالت وستظل تتفاخر بأنها آوت زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن الذي قاد عملية الحادي عشر من سبتمبر 2001.

الطريق إلى عدن بالنسبة لتنظيم القاعدة وداعش بات سالكا ومؤشرات الانقضاض لم تعد بحاجة لتخمينات أو حتى تحليلات لمتابعي المشهد السياسي اليمني الجنوبي الذين باتوا ينتظرون الأسوأ في ظل الجمود السياسي وترك الشرعية اليمنية تمارس العبث دون رادع في تكرار يبدو سخيف لمشهد الشرعية الأفغانية التي كانت تمتلك مئات الآلاف من الجنود وأطنان من الذخائر ذهبت مجاناً للقادمين من كهوف تورا بورا وقندهار، وكذلك سيفعل الجيش اليمني الذي سيسلم السلاح والبلاد للأفغان العرب.

المعركة في عدن حتمية والتعويل على العقيدة الجنوبية العربية لإفشال المخطط الذي يراد له أن يحدث في جنوب جزيرة العرب، الفرصة مواتية كذلك للإقليم لوضع حد لفوضى الحكومة المنعدمة المسؤولية تجاه مهددات الأمن القومي العربي وتوظيفها لورقة الإرهاب لتحقيق مكاسب مالية وسياسية مؤقتة على حساب مصالح كبرى دولية واقليمية، الطريق بين كابول وعدن ليس ببعيد وأن كان ممتلئ بالمفخخات والأحزمة الناسفة فالرهان يبقى على عقيدة أهل الأرض وليس عقيدة ذمم رخيصة تباع وتشترى في سوق النذالة والنخاسة.