شهد يوم الثالث من أغسطس تطوراً هو الأعلى من ناحية التصعيد الأمني ملاحيا في بحر العرب، حيث تواترت الأخبار عن تعرض عدة سفن إلى حوادث مختلفة، وكلها قد جاء على خلفية تعرض ناقلة النفط ميرسر ستريت لاعتداء قبالة السواحل العمانية في 30 من يوليو الماضي.

إلا أن حادثة السفينة اسفلت برينسس كانت الأكثر حضوراً على المستوى الإعلامي سياسياً، فقد أسهمت الإجراءات الوقائية الأمنية والتي أقدم عليها طاقم السفينة في ثني عزيمة خاطفيها والتخلي عنها قبل وصولها لوجهتهم، ميناء جاسك الإيراني نتيجة تدخل البحرية العُمانية والأميركية.

اسفلت برنسس لم تكن السفينة الوحيدة التي أعلن عن تعرضها لحالة "مبهمة أمنياً"، وعلى ما يبدو أن جميع تلك السفن الأربع قد تعرض لمحاولة اعتراض غير قانوني (صعود على متنها) Illegal Boarding من قبل قوة غير مصرح لها ومجهولة الهوية في مياه دولية.

وقد يقود الافتراض أن قباطنة السفن الثلاث الأخرى، قد نجح في تنفيذ الإجراءات الاحترازية الموصي بها في حال فشلت باقي الإجراءات في منع تلك القوة من تحقيق اعتراض ناجح. أي بتعطيل المنظومة الملاحية قدر الإمكان وكذلك غرفة المحركات. إلا أنه على ما يبدو أن قبطان اسفلت برنسس قد تأخر نسبيا في تنفيذ بعض تلك الإجراءات الوقائية.

وتزامن التصعيد الإيراني في مياه بحر العرب وإقدام حزب الله على قصف مناطق في مزارع شبعا كتتمة لذلك في محاولة لاحتواء أي ردة فعل محتملة عبر استعراض قدراتها في التصعيد ضمن نطاق عمقها الاستراتيجي. وهي ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها إيران لمثل ذلك وخصوصا في التهديد بتوسيع نطاق المواجهة شرق أوسطياً وتحديدا من خلال جر إسرائيل للانخراط في ذلك انطلاقا من مبدأ الدفاع عن أمنها القومي.

ويعد التقرير الذي نشرته القيادة الوسطى الأميركية CENTCOM في 6 من أغسطس الجاري، والذي حدد أن مصدر المسيرات الثلاثة التي استهدفت ناقلة النفط مرسر ستريت قبالة السواحل العُمانية هي إيرانية المصدر، وضمن نطاق مداها الاستهدافي.

يبقى أمر البحث في دوافع إيران في التصعيد وعلى هذا المنحى بعد تولى إبراهيم رئيسي مهام منصبه الجديد، وخروج روحاني من المشهد دون تحقيق أي تقدم في ملفات إيران الرئيسية وأولها رفع العقوبات. فهل مثلت آليات هذا التصعيد الخشن أي رسائل من المرشد خامنئي عبر قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي، أم هي تحديد شكل السقوف المحتملة في حال قررت الولايات المتحدة، بريطانيا وإسرائيل اتخاذ بعض الإجراءات العقابية في حق الجمهورية الإسلامية.

القيادة الإيرانية استفادت من تجربتين عبر تطبيق مبدأ الهندسة العكسية، وهما سياسة العصى والجزرة، ومبدأ حد الهاوية. حيث كانت أكبر المستفيدين من مهادنتها سياسياً حتى باتت المؤسسة العسكرية الأمريكية وجلة من أشكال وإشكالات قرارات واشنطن السياسية. أما نجاح طهران من عدمه، فإن ذلك سيحدده المسار الذي سوف تتخذه واشنطن، فالاحتواء عبر العودة لمبدأ " الضغط الأقصى Maximum Pressure " وهو الأمثل سياسيا، إلا أن طهران باتت أكثر قدرة على توظيف المبدأين سالفي الذكر نتيجة تردد واشنطن سياسياً وعسكريا. وما تبقى لواشنطن الآن هو إقناع حلفاءها قبل المجتمع الدولي بضرورة احتواء إيران بشكل فاعل، وقد يمثل الملف اليمني أقصر الطرق الى ذلك خصوصا وانه سيلقى الإجماع عليه.