خلال هذه الساعات يسطر شعبنا العربي في تونس ثورة راقية ضد حكم الإخوان وأذنابهم، وقبل أسبوعين فاض الكيل بالشعب الإيراني من إجرام نظام الملالي الذي وصل إلى شبه قطع كامل للمياه عن تلك المناطق الأسيرة في يد النظام الإيراني.
هنا في واشنطن لم أجد ذلك الاهتمام من الساسة الأميركيين بشأن دعم المعارضة الإيرانية بل إن كثيرا ممن تحدثت معهم لا يتفقون معي في الرأي أن هذه الاحتجاجات تنذر باحتمال انفجار أوسع بل وربما يصل الأمر إلى اندلاع ثورة شاملة سيجد معها الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي - المعروف بمواقفه المتشددة تجاه المعارضة السياسية - في حال استمرارها إلى ما بعد تنصيبه في أغسطس في اختبار حقيقي في كيفية التعامل مع تلك المظاهرات في ظل رغبة طهران بتخفيف الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الأميركية من خلال العودة للاتفاق النووي والذي تتعثر الجولة السابعة منه حتى الآن.
وبداية وقبل أن أتحدث عن رؤيتي للأحداث داخل إيران لابد أن أشير إلى أن السلطات الإيرانية وعبر عقود من الزمن تعاملت مع الشعب الإيراني من الباب البوليسي وقبل أيام قليلة وتحديدا بدءا من عصر يوم الجمعة الموافق 17 يوليو شاركت في المؤتمر السنوي للمقاومة الإيرانية وشارك في المؤتمر حوالي 1000 شخصية من القادة السياسيين والبرلمانيين والشخصيات السياسية والثقافية والدينية أعلنوا دعمهم لمطلب الشعب الإيراني بالتحرر من حكم الملالي ومحاكمة إبراهيم رئيسي على جرائمه بحق الإيرانيين. لفتت مريم رجوي رئيسة المعارضة الإيرانية في كلمتها إلى أن النظام الإيراني يعيش ظروفا طارئة اجتماعية واقتصادية وفي خضمّ أزمات مستعصية، كما دخل المجتمع الإيراني مرحلة الانتفاضات والاحتجاجات بداية من يناير 2018، وهو ما تسبب في انتشار المظاهرات بالعديد من المدن والمحافظات.
وكشفت عن أن الصراع بين النظام والمجتمع الإيراني يتفاقم أكثر من ذي قبل. لذلك وفي رأيي ان ثورة العطش ممكن ان تتحول الى ثورة وطنية شاملة تطالب بإحلال الديمقراطية والعدالة في البلاد.
اليوم انطلقت تلك الثورة احتجاجا على نقص المياه ورفضا لسياسات نظام الملالي الرامية إلى تهجير الشعب الإيراني وتجويعهم، وهنا يرد السؤال.. هل ستمتد هذه الثورة إلى بقية المناطق الإيرانية؟ كل المحللين يجمعون على ان القادم على إيران سيكون مُرّا، وأن النظام الإيراني على موعد مع زلزال سيقود إلى اقتلاعه من جذوره.. وفي الساعات الماضية لاحظنا أن الاحتجاجات امتدت إلى مناطق من بينها العاصمة طهران، إضافة إلى مناطق اخرى في شرق وغرب البلاد...لكن المراقبين يرجحون أن يتعامل النظام الإيراني مع الاحتجاجات بهدوء وان يلجأ للتهدئة خصوصا أن لدى الرئيس الجديد كما قلنا ملفات كبرى وشائكة متمثلة في الاقتصاد الداخلي والعلاقات الخارجية والمفاوضات النووية التي تتطلب الهدوء.
الساعات الماضية واصل النظام الإيراني استخدام الرصاص الحي استعداداً لاستخدام كل أنواع القمع دون أي اعتبار لأي تدخل خارجي ...وبالتالي حسب رأيي فإنه وحتى تتحول هذه الاحتجاجات إلى موجة شعبية جارفة في كل إيران فإنه يلزمها تخطي دعاية النظام الإيراني التي تركز بأن هذه الانتفاضة تأتي لحرمان باقي السكان من الثروة النفطية الغنية جداً ومن الضروري على القوى السياسية الإيرانية المعارضة، الاعتراف بأن السلطة الحالية تمارس القمع، وأن الحل يجب أن يتضمن منح الشعب الإيراني حقوقه في البلاد.
في الخلاصة، لم تندلع الاحتجاجات الحالية في إيران من فراغ. بل أنها تمثل نتيجة تراكمات سياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية عديدة، واليوم هي توحي بأنها قد تتسبب في أزمة غير مسبوقة بالنسبة للنظام الإيراني الذي أبدى (اهتماماً خاصاً بها) على نحو بدا جلياً في الزيارة التي قام بها قائد الحرس الثوري حسين سلامي إلى اقليم خورستان في 24 يوليو الجاري. إذ يعيش السكان هناك في ظل ظروف معيشية صعبة نتيجة مجمل سياسات ممنهجة من قبل النظام الإيراني تجاه معارضيه.. وعلى الرغم من التقارير الدولية التي تكشف الواقع المرير الذي يعيشه الشعب الإيراني، إلا أن النظام الإيراني يبدو ملزما في الفترة المقبلة بتقديم تنازلات بالرغم من أنه لم يسبق له أن قدم أية تنازلات تذكر أمام مطالبات حقوقية شعبية فملف حقوق الإنسان في إيران بمجمله محل خلاف بين إيران والدول الغربية وسيكون حاضرا ولا شك بعد إرهاصات تعثر العودة للاتفاق النووي من جانب الولايات المتحدة والتي بدأت تلوح في الأفق.