"انا لدي كافة الضمانات الخارجية لتنفيذ برنامج انقاذ" ذلك ما استهل به الرئيس ميقاتي عهد تشكيل حكومة الإنقاذ بعد حصوله على الثقة البرلمانية.

ذكرني ذلك بأحجية البيضة والدجاجة، فأيهما جاء أولا، البيضة إم الدجاجة، وذلك تحديدا ما يجب ان يجيب عليه أي سياسي لبناني: هل يمكن انقاذ لبنان بيد ساسته وشيوخ طوائفه؟

إن كانت تجربة لبنان الحديثة غير كافية في أقناع اللبنانيين بالصعوبات التي سوف تواجهه في تشكيل حكومة في ظل محاصصات الطوائف إلى الثلث المعطل، ومنه الى رئيس يُجمع الجميع إنه باسيلي أكثر من صهره. أما ثانيا، ما هي الضمانات السياسية التي سيقدمها لبنان والقادرة على إلزام الأطراف الخارجية (الضامنة) في الوفاء بالتزاماتهم تجاه مشروع الإنقاذ. فهل سيضمن الرئيس ميقاتي حريته المطلقة في تشكيل حكومة تكنوقراط، ولبنان يزخر بمثلهم ولن يبخل لبنانيو المهجر في تقديم خدماتهم ان سعى ميقاتي باتجاههم. الا ان كل الشواهد تشير اننا قريباً سنرى حكومة حكواتيه.

تحديات انقاذ لبنان كما قال اهله "دود الخل منه وفيه"، وقد جرب كل عطاريه، وكلهم جرب فيه ما لم يكتبه داود الحكيم من وصفات، ولملمة حصى لبنان لإعادة بنائه من الجبل الى الساحل تستوجب تحيد كل شيوخ الطوائف للحد من فعلهم المدمر سياسيا واجتماعيا. اما ثانيا، فيتوجب ان يقتنع اللبنانيون بأن الحال قد تجاوز التداوي حتى بالحجامة.

فحالة الانكار التي تمارس من قبل كافة القوى السياسية اللبنانية يتجاوز حد الاذهال نتيجة تجذر حالة "الطئفنة" السياسية، حد تحولها قناعة وجودية بأن ظل الطائفة أبقي من ظل الدولة. هذه السيكولوجية اللبنانية هي الواقع الذي تنكره كل القوى اللبنانية، الا انها تمارسه بشكل عضوي سياسيا تحت مسمى "برغماتية الخصوصية اللبنانية".

مهمة لبنان الان هي تجاوز كل ما هو فرعي من هوياته، من الفرنكوفونية الى الفينيقية، ومن نتفق ونختلف معه، فإعادة صياغة مفهوم لوطن يتجاوز الطوائف وشماعة الطائف. فأن استطاع الرئيس ميقاتي تسلق ذلك الجبل، فأنه قد يحظى بفرصة، والا فأنه لن يكن بأفضل ممن سبقه من شيوخ الطوائف.

هل سيكاشف الرئيس ميقاتي اللبنانيين باشتراطات الضامنين، وكيف سيثق هؤلاء (الضامنون) بحكومة لن تقوم الا من بحوزته الثلث المعطل، وضالع في تفجير مرفأ لبنان، ومصنف إرهابي حتى من قبل مهادنيه. وهل سيقتنع حزب الله بضرورة تخليه فعلياً وعمليا عن حق تعطيل الدولة من اجل انقاذ لبنان. وحتى باقي شيوخ الطوائف والمِلل، الأيدلوجي منها وغير ذلك، هل ستتخلى عن مفهومها الخاص للبرغماتية الخصوصية.

لبنان وللأسف هو أقبح مسارح الواقعية السياسية، ويجب أن لا تلام إيران أو سواها في ذلك، فقد اختبر اللبنانيون الدم والنار واليوم يختبرون آلام الانهيار الحتمي، فهل اكتفى اللبنانيون من لبنان أو اكتفى لبنان منهم. هي حالة أقرب للتخشب بين خياري استدامة الحال أو الحرب، وهو واقع من إنتاج اللبنانيين قبل سواهم. ورفض ذلك الواقع هو مسؤولية اللبنانيين دون سواهم، وهو القرار الذي ينتظره الضامنون لعملية الإنقاذ، وإلا على اللبنانيين تقدير حجم الفصد.