من أكثر أكاذيب جماعة الإخوان الإرهابية شيوعا القول بتعارض الولاء للوطن مع الانتماء للدين.

والمقصد من ترويجهم لتلك الفكرة هو ببساطة عزل المستهدفون بالتجنيد والاستقطاب عن انتماءاتهم المختلفة بحيث لا يكون لأحدهم أي انتماء إلا للجماعة وتنظيمها الدولي.

لذلك فإن من أهم أولوياتهم هدم فكرة "الوطنية" والانتماء للوطن تحت ذرائع متنوعة.. فهم يصفونه تارة بـ"العودة لدعوة الجاهلية" وتارة أخرى ب"الانصياع للتقسيم الاستعماري القديم للأقطار الإسلامية".. ويستغلون ضعف دراية كثير من الشباب بالتاريخ الإسلامي ليهزوا قناعاتهم بالانتماء للوطن والدولة.. وما استهدافهم المؤسسات الوطنية كرئاسة الجمهورية والقوات المسلحة والقضاء والشرطة وغيرها من مؤسسات الدولة المصرية بالاتهامات بالخيانة وانعدام الشرعية إلا توطئة لاتهام كيان الدولة نفسه بأنه غير شرعي مما يقدم جماعتهم -حسبما يؤمنون ويروجون- كبديل "شرعي" عن الوطن.

وقد بدا ذلك واضحا عندما نشبت الأزمة بين الدولة المصرية والنظام التركي بسبب قيام هذا الأخير بإرسال مرتزقته للعبث بأمن ليبيا الشقيقة وتهديد أمن مصر كذلك، فأظهرت مصر جهوزيتها عسكريا وأنذرت تركيا وعملائها ألا يتجاوزوا حدودهم.. فقامت قيامة الإخوان وأتباعهم وراحوا يقيمون المناحات عن أن "الجندي المصري المسلم سيحارب الجندي التركي المسلم وهما يصليان لذات القبلة".

حسنا.. الرد بسيط: لو أن أحدنا فوجئ بمن يقطع عليه الطريق ويحاول سلبه ماله بالقوة، هل سيبادر للدفاع عن نفسه أم أنه سيطلب من قاطع الطريق الإفصاح عن ديانته قبل أن يقرر المُعتَدَى عليه الدفاع عن نفسه من عدمه؟!

وهل يكون تقييم الأفعال بذاتها أم بناء على دين مرتكبها؟ ألا يكون العدوان عدوانا سواء ارتكبه من هو على ديني أو من هو على أي دين آخر؟

جدير بالذكر أن نفس أصحاب مناحة "مسلم يحارب مسلم" يشنون الآن حملة ضارية على الدولة المصرية ويتهمونها بالخيانة والجبن والانبطاح لأنها لم تسارع لخيار الحرب ضد دولة أثيوبيا بسبب أزمة سد النهضة.. سبحان الله… أليس في أثيوبيا ملايين المسلمين؟ أين ذهب البكاء على محاربة المسلم للمسلم؟ أم أنه أمر يتم استدعاءه فقط لما فيه مصلحة للإخوان وجماعتهم الإرهابية؟

مع أن حقيقة الأمر أن الإسلام قد تعامل مع احتمالية نشوب قتال بين فئتين من المسلمين، ووصف من تبغي منهما على الأخرى بـ"الفئة الباغية" وأباح بل أمر بقتالها.. وأباح بل وأمر كذلك بالقتال دفاعا عن الوطن والممتلكات والأرواح.. ووصف من قُتِلَ دفاعا عن نفسه وبلده وماله بالشهيد.. ولكن ليست تلك بأول ولا آخر تناقضات خطاب الإخوان وأذنابهم.

ولو عدنا لفكرة الولاء والانتماء للوطن وعدم تعارضه مع الولاء والانتماء للدين لوجدنا في التاريخ الإسلامي الكثير من النماذج.

فالرسول محمد أظهر بعد بعثته اعتزازه بالمشاركة في شبابه في قتال دار في مكة قبل الإسلام (حرب الفجار) إلى جانب قبيلته وذكر أن ذلك كان ردا لبغي أعدائهم عليهم.

وكان يعتز بقرشيته فيقول "أنا أعربكم.. ولدت في قريش".

وعند هجرته إلى المدينة أقر تقسيمات العشائر ووافق على اختيار نقيب لكل عشيرة من أهلها.. وعندما توفي نقيب بني النجار-وكانوا أخواله-قال لهم "أنتم أخوالي وأنا نقيبكم".

وفي عهوده للقبائل والعشائر أقر لكل منها انتماءه القبلي والعشائري والذي يعادل في عصرنا الحديث الانتماء الوطني.

وفي فتح مكة قال "اليوم أعز الله قريشا" في اعتزاز بقبيلته.. وفي غزوة حنين بلغه مقتل رجل من جيش العدو فقال "أبعده الله إنه كان يبغض قريش".

فهل يمكن للإخوان أن يُكَذِبوا تلك المواقف، إم لعلهم ينقدون موقف الرسول من اعتزاز المرء بوطنه وقومه؟

ثم أن وطننا فيه ذوو أرحامنا، وآل بيوتنا، وجيراننا، وأصحابنا، وأنفسنا وأموالنا.. فهل يدعي الإخوان أن اعتزازنا بوطن اجتمع فيه كل من وما أوصى الله تعالى برعايته وحفظه هو اعتزاز جاهلي؟

أم لعلي نسيت أنهم قد اجتثوا من أنفسهم أية مراعاة لكل قيمة طيبة كيلا يقف بينهم وبين تقديسهم جماعتهم شيئا فصاروا إلى تلك الصورة الممسوخة أخلاقيا ودينيا وإنسانيا!

وللحديث بقية..

-يتبع-