استنفرت جماعات تنظيم الإخوان بعض الأصدقاء والمتعاطفين من الأكاديميين الغربيين، أمثال جون اسبوزيتو وغيره، للتعليق على قرارات أوروبية تضيق الخناق على الجماعات الإرهابية وجذورها السياسية – أي تنظيم الإخوان.
وعاد هؤلاء، الذين للأسف يجدون بعض الآذان الصاغية في منطقتنا، لترديد نغمة التفرقة بين المعتدل والمتطرف فيما يخص تيار الإسلام السياسي الذي نبتت منه كل التنظيمات الإرهابية الدموية من القاعدة إلى داعش.
لكن يبدو أن تلك الأصوات الغربية لم تعد مؤثرة كما أن قبل نحو عشر سنوات مثلا حين كانوا يروجون لأن تنظيم الإخوان يعتبر ضمن تنظيمات "المجتمع المدني". والسبب، أن الحكومات الغربية أصبحت تدرك الآن أن "معظم النار من مستصغر الشرر"، وأن تنظيم الإخوان وتشظياته التي تعمل على أنها جمعيات خيرية ليست سوى غطاء فعلي للتنظيمات الإرهابية التي تقف وراء علميات العنف في العواصم الأوروبية.
في تقرير لجهاز الشرطة الأوروبية (يوروبول) صدر نهاية الشهر الماضي، يخلص الجهاز بعد عرض العمليات الإرهابية في المدن الأوروبية وعدد الضحايا والمعتقلين إلى أنه رغم وجود إرهاب يميني متطرف إلا أن الأغلبية كانت من تنفيذ من لهم انتماءات لجماعات متطرفة مرتبطة بالإخوان.
ويلاحظ التقرير إلى استغلال التنظيم وجمعياته عام وباء كورونا للترويج لأفكاره وجمع الدعم لنشاطاته.
يقول التقرير إنه في "2020 حاولت المنظمات الإرهابية استغلال وباء كوفيد-19 لترويج رسائلهم المتطرفة والدعاية الأيديولوجية عبر دول الاتحاد الأوروبي".
كان القادة الأوروبيون، خاصة لفرنسا وألمانيا والنمسا، اتفقوا العام الماضي على ضرورة اتخاذ اجراءات أشد للحد من انتشار الأفكار المتطرفة وذلك بعد أعمال إرهابية في فرنسا والنمسا تحديدا راح ضحيتها العشرات.
وبدأت بالفعل فرنسا في اتخاذ إجراءات لتضييق الخناق على الجماعات المتطرفة والمؤسسات والمساجد التي يستخدمها الإخوان والسلفيون وتعد مفرخة للتطرف بين الشباب.
كذلك تشديد الإجراءات للحيلولة دون تحول السجون إلى بيئة خصبة لنشر أفكار التطرف وتخريج إرهابيين يستقطبهم هؤلاء الذين يدعون التفقه في الدين.
وتوالت الإجراءات في الدنمارك وسويسرا وألمانيا وأخيرا إقرار المجلس الوطني (البرلمان) في النمسا قانونا جديدا لمكافحة الإرهاب والتطرف يستهدف تعزيز جهود الدولة لحظر نشاطات التنظيمات الإرهابية وملاحقة مموليها. ولم يبق تقريبا من بين دول الغرب الرئيسية سوى ايطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة التي "تدرس" اتخاذ اجراءات مماثلة.
ربما لا تكون فرنسا مهمة لتنظيم الإخوان، رغم أن بها العدد الأكبر من الأتباع من أبناء الجاليات من شمال افريقيا. لكن ألمانيا وايطاليا أصبحتا في السنوات الأخيرة قاعدتين مهمتين للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
بالنسبة لألمانيا، فإن الجالية الكبيرة من أصل تركي تمثل حاضنة أمان للتنظيم حتى لو لم يكونا أعضاء فيه وفقط "متعاطفين". إنما إيطاليا فقد اصبحت نقطة مالية مهمة للتنظيم الدولي مع تشديد سويسرا وغيرها اجراءاتها في مراقبة عمليات التمويل عبرها.
تبقى بريطانيا، التي كانت وما زالت إلى حد كبير مأوى لقيادات الإخوان وجماعاتهم الفرعية والتابعة، وأيضا نقطة مالية في غاية الأهمية للتنظيم وتشظياته.
حاولت حكومة ديفيد كاميرون عام 2015 تشديد الاجراءات على الإخوان والجماعات التابعة لها والمرتبطة بها، لكن لجان البرلمان عرقلت ذلك وتم "تمييع" المراجعة التي قام بها السير جون جنكينز. وفي عام 2017 تقدم عضو مجلس شيوخ مع نائب برلماني من الكونغرس الأميركي بمشروع قانون يشدد القيود على تنظيم الإخوان، لكن الليبراليين والمتأثيرن بآراء المستشرقين المتعاطفين مع الإخوان أحبطوا ذلك الجهد وقتها.
أدى فشل كل محاولات التنظيم لضرب الاستقرار في مصر بعد أن أخرجه الشعب المصري من السلطة في 2013، ثم بعد ذلك المصالحة الخليجية التي قللت من دعم بعض دول المنطقة له وايضا ما تعانيه تركيا من عزلة حاليا، إلى تركيز التنظيم وجماعاته على دول أوروبا وأميركا الشمالية.
كان عام الوباء فرصة ذهبية لتنظيمات اصلا تقتات على الكوارث وتنتعش في الأزمات، لكن الدرس الذي تعلمته شعوب المنطقة من الفترة القصيرة التي "ركب" فيها هؤلاء احتجاجات بداية العقد الماضي فوتت عليهم الفرصة.
مع ذلك، نشط هؤلاء ضمن جماعات التضليل ونشر الخرافات ونظريات المؤامرة حول الوباء وفيروس كورونا. لكن ذلك أيضا لم يؤت نفعا في ظل تغير الأوضاع الاقليمية بالشكل الذي يرخ الموقف الحاسم لدول المنطقة من التنظيم الذي أصبح في كثير من البلاد العربية جماعة إرهابية.
قد لا ترقى الإجراءات الأوروبية الأخيرة "حظر" تنظيم الإخوان، لكنها خطوة مهمة على طريق التشديد على موارده وساحة حرية حركته التي يستهدف منها المنطقة ودولها. لذا، تداعى الغربيون الذين يدفعون عن "الإرهاب المعتدل"! لكن صوتهم هذه المرة أكثر خفوتا وأقل اقناعا وتأثيرا.