عشية فوز المرشح المحافظ ورئيس السلطة القضائية في إيران منذ العام 2019 (إبراهيم رئيسي )في الانتخابات الرئاسية الإيرانية أُثيرت الكثير من التساؤلات حول مستقبل العلاقات الأمريكية-الإيرانية، خاصة في ظل عدد من محددات تلك العلاقة سابقا ومستقبلاً ومن بينها خضوع رئيسي نفسه لعقوبات أمريكية، وتراجع تيار الإصلاحيين، وكذلك سيطرة التيار المحافظ.

 وفي هذا الصدد، نحاول تسليط الضوء على فوز ابراهيم رئيسي بالرئاسة الإيرانية، وكذلك موقف الإدارة الأمريكية من إيران ومن العودة إلى الاتفاق النووي، وعن مستقبل العلاقات الأمريكية-الإيرانية .

اولا: (فوز " ابراهيم رئيسي")
في 19 يونيو أعلنت نتائج الانتخابات بفوز ابراهيم رئيسي (الذي يبلغ من العمر ٦٠ عاماً) بالمقعد الرئاسي في الانتخابات الرئاسية، بنسبة بلغت نحو 62% من إجمالي الأصوات، بعد مشاركة 28 مليون ناخب في الانتخابات من إجمالي 59 مليون ناخب مسجل.
ويخضع الرئيس الإيراني والذي من المقرر أن يتولى منصبه الجديد خلفاً للرئيس حسن روحاني في أغسطس المقبل، لعقوبات أمريكية فرضتها عليه وزارة الخزانة الأمريكية منذ 4 نوفمبر لعام 2019، لتورطه في أعمال قمع وحشي مارسها النظام الإيراني ضد احتجاجات الحركة الخضراء الإيرانية، التي أعقبت انتخابات 2009...وبفوزه في الانتخابات وهو(القريب من المرشد الأعلى علي خامنئي) أصبح المتشددون يُحكِمون سيطرتهم على نظام الحكم، كما أصبح هناك تناغم بين مؤسسات الحكم في ظل هيمنة التيار المحافظ.

ثانيا: (موقف الرئيس الجديد من الاتفاق النووي)
لا يخفى انه وعلى الرغم من أن ابراهيم رئيسي انتقد بشدة الاتفاق النووي الدولي لعام 2015، إلا أنه خلال الحملة الانتخابية -مثله مثل جميع المرشحين الآخرين- شدَّد على نيته الالتزام بالتوصل إلى اتفاق نووي. وبالرغم من انتماء رئيسي للتيار المحافظ المتشدد، فإنه -في الوقت ذاته- أظهر موقفاً براغماتياً في المفاوضات بشأن استئناف الاتفاق النووي.
وفي مقابل ما أعلنه رئيسي خلال حملته الانتخابية بشأن الاتفاق النووي مع إيران؛ فإنه في أول مؤتمر صحفي له منذ فوزه بالانتخابات الرئاسية، أعلن الرئيس الإيراني الجديد أن السياسة الخارجية لبلاده لن تتقيد بالاتفاق النووي المبرم عام 2015، وستسعى إلى التفاعل مع العالم.
كما أعلن رئيسي أن لا نية لديه للقاء نظيره الأمريكي جو بايدن، في ظل استمرار العقوبات الأمريكية. ومنذ إبريل الماضي، تتم مفاوضات غير مباشرة مع الدول الست (مجموعة 5+1) لإحياء الاتفاق النووي الإيراني حيث يرأس الوفد الإيراني وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في المحادثات الدولية في فيينا لإحياء الاتفاق النووي. وتشير تقارير وسائل الإعلام الإيرانية أيضاً إلى أن ظريف قد تم تكليفه بممارسة الضغط على هامش المحادثات في فيينا لإزالة اسم رئيسي من قوائم عقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

ويرى رئيسي أن برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني غير قابل للتفاوض، على الرغم من مطالب غربية وخليجية بإدراجه في محادثات الاتفاق النووي. ويبدو أن رئيسي غير مكترث كثيراً برفع العقوبات الأمريكية عن الاقتصاد الإيراني في حال التوصل إلى اتفاق نووي ونظراً لتدهور الأوضاع الاقتصادية الإيرانية؛ فإنه يجب أن تأخذ سياسات ابراهيم رئيسي في الاعتبار الوضع الاقتصادي السيئ للبلاد. ففي حال تم التوصل إلى اتفاق نووي، ورفعت الولايات المتحدة العقوبات عن طهران؛ فإن احتمالات تحسن الأوضاع الاقتصادية ستزداد بكل تأكيد لكن يبقى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي هو صاحب القوة المطلقة في إيران، وسيكون له القول الفصل فيما يتعلق بسياسة إيران الخارجية وبرنامجها النووي.

ثالثا:( موقف الإدارة الأمريكية)

رغبة الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن في الوصول إلى اتفاق نووي خلال مدة ستة أسابيع قبل انتهاء مهمة الرئيس حسن روحاني مطلع شهر أغسطس القادم، بحيث يكون هناك اتفاق قبل تسلم رئيسي مهامه في الحكم. ويقوم التوجه العام لإدارة بايدن على تهدئة التوتر مع إيران، ومحاولة تجنب الأزمات معها ذلك أنه خلال حملته للانتخابات الرئاسية، صرَّح الرئيس المنتخب بايدن بأنه مستعد لإعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، بشرط عودة إيران إلى الامتثال الكامل لهذا الاتفاق وموافقة طهران على الدخول في مفاوضات مستقبلية لفرض قيود أطول وأكثر صرامة على أنشطتها النووية.
وبشكل عام، لا تمتلك إدارة الرئيس بايدن استراتيجية واضحة في التعامل مع إيران، لكنها تُحاول جاهدة العودة للاتفاق النووي، الذي انسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب في عام 2018، لوضع قيود على برنامج إيران النووي ومنعها من امتلاك سلاح نووي. ويرى معظم مسؤولي الإدارة الأمريكية أن الدبلوماسية هي أفضل طريقة لتحقيق ذلك، وليس الصراع العسكري.

رابعا : (مستقبل العلاقات)

يبدو جليا استمرار التوتر القائم في العلاقات الأمريكية-الإيرانية في ظل استمرار السياسات الإيرانية لزعزعة استقرار الشرق الأوسط. فعلى الرغم من أن التوجه العام لإدارة بايدن يتعلق بتهدئة التوتر مع إيران، ومحاولة تجنب الأزمات معها، فإن وصول رئيسي للسلطة، واستمرار السياسات الإيرانية لزعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط، ومحاولات طهران الحفاظ على ترسيخ نفوذها في العراق ولبنان وسورية واليمن؛ يُتوقع معه استمرار حالة التوتر القائمة.

اخيرا ربما تشهد العلاقات بين الجانبين الأمريكي والإيراني المزيد من التوترات إذا اضطرت الإدارة الأمريكية بقيادة بايدن إلى فرض عقوبات جديدة على الرئيس الإيراني الجديد بضغوط من الجمهوريين وبعض الديمقراطيين بسبب انتهاكات رئيسي لحقوق الإنسان. ولكن يبدو أن احتمالية حدوث هذا السيناريو بعيدة نسبياً في ظل توجه إدارة بايدن نحو تهدئة التوتر بين الجانبين الأمريكي والإيراني، وسيؤدي حدوثه إلى تفاقم الأزمة لتصل إلى ذروتها، ممَّا يُنذر بحدوث عواقب غير مرغوبة، ولا سيما في ظل انتماء رئيسي للتيار المتشدد.

وفي النهاية، يمكنني القول إنه تسود حالة من التفاؤل الحذر تجاه العلاقات الأمريكية-الإيرانية بإمكانية إبرام صفقة للاتفاق النووي قبل أن يتولى الرئيس الإيراني المنتخب حديثاً مهام منصبه. وبشأن زيادة فرص التوصل إلى اتفاق نووي بعد انتخاب رئيسي؛ فإن القرار النهائي بشأن العودة إلى الصفقة من عدمه يقع على عاتق المرشد الأعلى لإيران، الذي يمتلك السلطة الأولى في النظام الإيراني. ففي مطلع الشهر الجاري، أعلن خامنئي أن طهران تريد أن ترى عملاً وليس وعوداً لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
وبشكل عام، لا يُمكن أن تُنذر فترة حكم رئيسي بما هو أبعد من العودة إلى خطة العمل المشتركة الشاملة لعام 2015 التي أدت إلى تخفيف العقوبات المفروضة على طهران بفرض قيود زمنية على أنشطة إيران النووية. وربما تشهد العلاقات تحولاً إيجابياً ملحوظاً تجاه إبرام الاتفاق النووي في حال اتخذت الإدارة الأمريكية خطوة المبادرة برفع رئيسي من قائمة العقوبات الأمريكية، ولكن لن يحدث ذلك برأيي إلا إذا تراجعت طهران عن أنشطتها الخبيثة في المنطقة.