مما يتهم به "مؤرخو" جماعة الإخوان الإرهابية خصومهم، أنهم-الخصوم-"ينتقون من تواريخ العهود والدول التي يختلفون معها السلبيات فيذكرونها، بينما يغفلون ذِكر الإيجابيات".
مثل تلك التهمة تستفزني لطرح سؤال عليهم: على أساس ما ذكرتموه من ضرورة ذكر الإيجابيات أسوة بالسلبيات فلماذا لا نراكم تذكرون إيجابيات عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي؟
قد يقول بعض المشتغلين بعلم التاريخ أن التأريخ لحاكم ونظام لا يزالا في الحكم هو أمر صعب، وهو رأي قد نتفق أو نختلف معه إلا أن له وجاهته، وهو ما ذهب إليه المؤرخ اللبناني الأستاذ الدكتور محمد سهيل طقوش عندما قال في خاتمة كتابه "تاريخ مصر الحديث والمعاصر" بعد حديثه عن ثورة 25 يناير 2011: "وبذلك انتهت حقبة مهمة من تاريخ مصر لتبدأ حقبة جديدة لا يستطيع المؤرخ عند كتابة هذا البحث توثيقها لحداثتها وتشعبها".
بينما يرى البعض الآخر- وهو أيضًا رأي له وجاهته-أن التطور في وسائل الإعلام والتوثيق الدائم للأحداث يسهل عملية التأريخ للأحداث المعاصرة مهما بلغت حداثتها.
في كل الأحوال فإن مؤرخو الإخوان لم ينحازوا للرأي الأول وإنما هم يمارسون "تأريخهم الخاص" لتلك المرحلة.
تعال مثلًا نطالع الصفحة الرسمية لذلك المدعو "محمد إلهامي" والذي يقدم نفسه فيها بكل جرأة ب"المؤرخ محمد إلهامي"، وهو يشغل كذلك منصب "مدير وحدة الحركات الدينية" في "المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية" والمقام في تركيا سنة 2014 برعاية نظام أردوغان.
على صفحة محمد إلهامي نجده يتهم النظام المصري بالتقاعس عن التصدي للعدوان الإثيوبي على حقوق مصر في مياه النيل ويقول "منعت أثيوبيا المياه فقالوا: الحرب قرار خطير جدًا".
والحقيقة أني لم أعرف رأي إلهامي في المؤتمر الفضيحة الذي عقده المخلوع محمد مرسي في 3 يونيو 2013 مع قيادات جماعته ومؤيديها تحت مسمى "بحث آلية التعامل مع سد النهضة" وراحوا يتناقشون فيه أمام كاميرات وسائل الإعلام في اقتراحات كوميدية للتعامل مع الموقف تضمنت اقتراحات بإثارة الفتن والقلاقل وأخرى تضمنت تطاولًا على أشقائنا السودانيين فضلًا عن اقتراح عبقري من الهارب أيمن نور بتسريب أخبار كاذبة للجانب الأثيوبي عن التسليح المصري!
لماذا لم يطربنا السيد إلهامي برأيه كمؤرخ عن هذه الفضيحة المدوية بدلًا من أن يعترض على حقيقة بديهية هي أن "الحرب قرار خطير جدًا"... وهل خلاصة اشتغاله بعلم التاريخ وقراءاته وصلت به لعكس تلك الحقيقة؟ أم أن مجرد ذكرها يعني التقاعس بالضرورة؟ ألم يقرأ المؤرخ العلامة الفهامة مقولة عمر بن الخطاب "إن الحرب تحتاج إلى الرجل المكيث"(المتريث)؟
وفي منشور آخر يصف الرئيس السيسي ب"عدو الله"... "عدو الله" مرة واحدة؟! طبعًا هذا وصف غير مستغرب من منتمٍ لجماعة تعتبر نفسها صاحبة "توكيل الإيمان في الأرض"! ويكمل منشوره باتهام الرئيس بأنه قد أنفق المليارات على شراء السلاح لكنه تقاعس عن اتخاذ قرار الحرب!
الحقيقة أني أطرح على إلهامي أحجية بسيطة أرجو أن يسعفه ذكاءه في حلها: لو أن النظام المصري جبان ومتقاعس عن حماية أمن مصر كما تتهمه، فما تفسيرك لتلك الهزة التي أصابت النظام التركي وخططه في المنطقة بسبب التحركات المصرية-السياسية والعسكرية-في النطاق الجغرافي للأمن القومي المصري؟ هل قرر الأتراك التراجع من تلقاء أنفسهم أم أن ثمة إرادة سياسية قوية وقوة عسكرية رادعة رسمت لهم خطوطًا حمراء وقالت لهم بكل صرامة "لا تجاوز لتلك الخطوط"؟! هل مثل تلك القيادة التي رسمت تلك الخطوط الحمراء وفرضت على نظام راعيكم أردوغان التقهقر وطلب التفاوض هي قيادة تكدس السلاح بلا طائل وتتراجع وقت الجد؟!
أم لعله كان نائمًا عندما كانت الحكومة التركية تحاول ترضية مصر بتضييقها-أو لنقل تظاهرها-بالتضييق الإعلامي على أبواق الإخوان في تركيا؟! لو كان كذلك فحبذا لو أيقظه البعض ليسارع بإعداد حقيبة سفره ليكون مستعدًا عندما يستغني النظام التركي عن خدماته ويخبره أن عليه مغادرة البلاد!
وماذا عن باقي عهد الرئيس السيسي؟ سبع سنوات لم يرى فيها هؤلاء سوى فرصًا للهجوم والاتهامات في الأخلاق والدين؟ ماذا عن إحلال البيوت الآدمية المتمتعة بالخدمات محل العشوائيات والخرائب؟ ألا يستحق الحديث عنه أم أن غاية أمانيكم وزيركم السابق باسم عودة الذي مدحه رئيسكم المخلوع بأنه "يركض وراء عربات نقل أنابيب الغاز"؟ ماذا عن موقف مصر من العدوان الإسرائيلي الأخير على الأشقاء الفلسطينيين في القدس وقطاع غزة وتدخُل مصر سياسيًا وتقديمها الإغاثات لأشقاءنا وتوليها مهام إعمار قطاع غزة، ألا يستحق هذا الاحتفاء به أم أن أقصى ما تنتظرونه من رئيس مصر تجاه أشقاءها هو مؤتمر في استاد لكرة القدم وشعارات جوفاء وتهليلات وتكبيرات؟
ماذا عن قرار الرئيس بتَكَفُل الدولة بكل التكاليف الباهظة لعلاج الأطفال مرضى الضمور العضلي؟ ألا يستحق أن تشير إليه يا إلهامي أم أنك قد اعتدت أن تكون المساعدات في شكل "صناديق" بها أكياس السكر والأرز وزجاجات زيت الطعام لتوزيعها قبل الانتخابات لشراء الأصوات؟!
ألستم تقولون "إذكروا إيجابيات الحكم العثماني كما تذكرون السلبيات" و"أذكروا محاسن حكم مرسي كما تذكرون سلبياته"؟ لماذا لا تفعلون ما تأمرون الناس به أم أنكم ممن يأمرون الناس بالبِر وينسون أنفسهم؟!
تحضرني هنا قصة عن صحابي جليل هو عبد الله بن سلام، كان قبل إسلامه من يهود يثرب/المدينة، وعندما أسلم طلب من الرسول أن يسأل عنه أبناء قبيلته اليهودية دون أن يخبرهم بإسلامه، فلما سألهم الرسول عنه قالوا له "خيرنا وابن خيرنا وأفضلنا وابن أفضلنا" فلما علموا بإسلامه قالوا "شرنا وابن شرنا" وعابوه وسبوه! فقط لأنه خالفهم!
هكذا من يدعون أنهم مؤرخون من المنتمين لجماعة الإخوان، عندما تم اختيار الرئيس السيسي وزيرًا للدفاع وصفوه بأنه "وزير بنكهة الثورة" وراحوا يتغنون بمدائحه، ولما نزل المصريون ضدهم في 30 يونيو 2013 راحوا ينذرون المصريين بأن "السيسي والجيش سيفرمونكم!" ولما إنحاز وزير الدفاع-آنذاك-عبد الفتاح السيسي والجيش المصري للشعب المصري ضد الجماعة الإرهابية-وهو انحياز طبيعي غير مستغرب من جيشنا الوطني-تحوّل السيسي بقدرة قادر إلى "انقلابي خائن قاتل سفاح" وتحول الجيش المصري الذي وصفه المخلوع مرسي بـ"عندنا رجالة من دهب" إلى "جيش الانقلاب"!
عندما كانت تذكر أمامي وأنا بعد صبي آيات المنافق ويرد ذكر "إذا خاصم فجر" لم أكن أفهم علاقة الفُجر في الخصومة بالنفاق، ثم عندما كبرت وخبرت الحياة أدركت العلاقة: أن المنافق لا يذكر في حقك إلا كل مدح واحترام وتقدير طالما أنه يراك في جانبه، فإذا ما افترقت طرقكما ألقى كل هذا جانبًا وراح يكيل لك أشنع الاتهامات بأبشع النقائص ويصورك للناس شيطانًا رجيمًا!
فتلك إجابة السؤال: لماذا لا يذكر مؤرخو الإخوان إيجابيات عهد السيسي!
وللحديث بقية
-يتبع-