بدأت بعض وسائل الإعلام الغربية تنتبه إلى خطر تغول الإرهاب في أفريقيا، خاصة بعد مقتل زعيم جماعة بوكو حرام الإرهابية في نيجيريا أبو بكر شيكاو.
ورغم أنه انتباه متأخر، إلا أنه أفضل من التجاهل التام كما هو الحال منذ تصاعد الوجود الإرهابي في الساحل الأفريقي وغرب أفريقيا وحتى جنوب الشرق في موزمبيق، إضافة طبعا إلى القرن الأفريقي.
هذا الأسبوع نشرت صحيفة التايمز اللندنية تقريرا عن قلق أجهزة المخابرات الغربية من توسع نفوذ الجماعات الإرهابية في أفريقيا جنوب الصحراء ومحاولاتها تجميع قواها لتشكيل كيان إرهابي ربما يتجاوز كثيرا تنظيم داعش. لكن للأسف، لا يبدو هذا الانتباه المتأخر مؤشرا على أي تحرك غربي أو دولي لمواجهة النفوذ الإرهابي في القارة السمراء – على الأقل حتى الآن.
سبب القلق أن مقتل شيكاو، الذي وضعت مكافأة 7 ملايين دولار لمن يرشد عنه، لم يكن على يد الجيش أو قوات الأمن النيجيرية بل على يد جماعة إرهابية أخرى هي "الدولة الاسلامية في إقليم غرب أفريقيا" – داعش جديدة. ذلك على الرغم من أبو بكر شيكاو وجماعته بوكو حرام سبق وأعلنوا ولاءهم لداعش وقبلها للقاعدة. لكن جماعة داعش في غرب أفريقيا تعمل منذ عام 2017 على تجميع كل الجماعات الإرهابية في قوة واحدة تمتد من ليبيا إلى موزمبيق ومن موريتانيا ومالي إلى الصومال. ويشير تقرير التايمز إلى بروز أبو مصعب البرناوي كقائد جديد لتلك التنظيمات الإرهابية الساعية للسيطرة على مناجم الذهب في الغرب والنفط في الوسط والغاز في جنوب الشرق.
يأتي كل ذلك في وقت لا يوجد فيه سوى قوة فرنسية قوامها نحو 5 آلاف تساعد دول الساحل والصحراء، موريتانيا والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، على مواجهة الجماعات الإرهابية. هذا بالإضافة إلى المساعدات الفرنسية لمالي، التي تشهد منذ زمن نشاطا إرهابيا متصاعدا يهدد كل المنطقة بما فيها الجزائر والمغرب. وفشلت فرنسا في الأعوام الأخيرة في اقناع دول الاتحاد الأوروبي بدعم جهودها لمكافحة الإرهاب في أفريقيا، وبدأت باريس تقلق من زيادة أعداد الضحايا بين قواتها هناك. كما أن الوجود العسكري الأميركي في أفريقيا لمواجهة الإرهاب يتراجع منذ عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. فقد كانت الطائرات الأميركية تساعد في نقل القوات الفرنسية، لكن ذلك لم يعد متاحا الآن. كما أن ترامب قرر قبل مغادرته البيت الأبيض إغلاق قاعدة الطائرات المسيرة التابعة للقيادة العسكرية الأميركية (أفريكوم) في النيجر. وكانت المسيرات من تلك القاعدة تقوم بعمليات في غاية الأهمية باستهداف الجماعات الإرهابية في جنوب وجنوب غرب ليبيا.
يستفيد الإرهابيون من كل هذا التراجع والتردد الغربي، وعدم قدرة الجيوش وقوات الأمن للدول الأفريقية التي تتغلل فيها على مواجهتها. ومنذ عام 2017، بعد ضرب قدرات داعش في العراق وسوريا، أصبحت أفريقيا قبلة الإرهابيين من كل فجاج الأرض. ساعد على ذلك أيضا تحول ليبيا إلى معسكر تجميع، خاصة للإرهابيين القادمين من سوريا والعراق عبر تركيا. وفي مرحلة ما كانت الطائرات التركية هي الوحيدة التي تطير من اسطنبول إلى مصراته تحرسها طائرات حربية. وساعد على جعل ليبيا مأوى للإرهابيين الوضع الفوضوي فيها الذي يحرص الإخوان هناك على استمراره رغم الجهود الدولية والاقليمية لمساعدة الليبيين على تسوية أوضاعهم وبناء دولة وجيش يوقف كل تلك الفوضى.
للأسف الشديد، لا يهتم الغرب بأفريقيا إلا في إطار صراعه مع الصين وروسيا مثلا على النفوذ. فقد كانت آخر فورات الاهتمام تلك التي تعارض تغلغل الصين عبر مشروعاتها ومساعداتها للدول الأفريقية. وسرعان ما تبدد ذلك الاهتمام وترسخ الوجود الصيني وغيره بشكل أصبح من الصعب التغلب عليه. لكن الصين وغيرها لا يهمهم كثيرا وضع الدول الأفريقية، وبالتالي لا هم لهم في مسألة مكافحة الإرهاب في القارة.
ويخطئ هؤلاء وأولئك في تصوراتهم بشأن مصالحهم الاقتصادية في القارة السمراء. فالجماعات الإرهابية التي تعزز نفوذها منذ سنوات وتحاول تجميع الفرق المختلفة (وكلها من مصدر واحد هو تنظيم الإخوان) في كيان واحد لن تفرق بين صيني وأميركي وأوروبي. وترك تلك الجماعات تقوى وتكبر لن يؤدي سوى إلى كيان يفوق ما واجهه العالم في سوريا والعراق بمراحل. وإذا كانت داعش في الهلال الخصيب احتاجت تحالفا من نحو 40 دولة لمواجهتها وشل قدراتها، فإن داعش في أفريقيا وعلى النطاق الذي تنشط فيه تلك الجماعات الآن، لن يكفي تحالف كل دول العالم لمواجهته. لذا، يتمنى المرء لو أن هذا الانتباه المتأخر يقود إلى جهد منسق لمحاولة وقف نمو ذلك الخطر على الإنسانية قبل أن يستفحل ويصبح كيانا يتعايش العالم مع فظاعاته وبشاعته لزمن.