بأغلبية أصوات أعضاء الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، فازت دولة الإمارات العربية المتحدة بالعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن، حيث حصلت على هذه العضوية المهيبة، من خِلال َنيل الِمقعد المُخصص للمجموعة الجغرافية لآسيا والمحيط الهادئ.
ووقَع اختيار الجمعية العامة، التي تُدمغ بأنها المنبر العام للمنظمة الأممية، والتي تُمثل فيها كافة الدول الأعضاء على قدم المساواة تجسيداً لأحد أهم مبادئ المنظمة، ونشير في ذلك السياق المهم أن الجمعية العامة مارست أمس اختصاصاً مشتركاً لم يُؤت أثَره إلا بعد أن شاركت هيئة أخرى في المنظمة، وهي مجلس الأمن في ذات التصرف للجمعية، حيث سبق للمجلس أن أصدر توصيته في ذات الشأن.
تَرسخت العديد من الأسس والمبادئ التي ارتكزت عليها دولة الإمارات العربية المتحدة منذ ميلادها دولة مستقلة ذات سيادة في عام 1971، ونستطيع أن نَزعم أن هذه المبادئ العامة التي تبنتها دولة الإمارات هي التي أفضت لتوصية مجلس الأمن، ثم اختيار الجمعية العامة لها عضواً غير دائم في المجلس العتيد الذي ينوب عن المنظمة في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وصيانتهما وإعادتهما لنصابهما حين يقع أي إخلال بهما، كما ينوب المجلس عن المنظمة في التسوية السلمية للنزاعات الدولية بين أعضاء المنظمة، فضلا عن اتخاذ إجراءات القمع ضد الدولة التي ترتكب جريمة العدوان.
يتأسس اختيار الإمارات العربية المتحدة في مجلس الأمن من الناحية الإجرائية والقانونية على القرار رقم 1991 لسنة 1963 الذي أَقَر زيادة عدد الدول الأعضاء في مجلس الامن للعدد الحالي، فضلا عن توزيع المقاعد غير الدائمة توزيعاً يَحل مَحل اتفاق الشرفاء الذي تم بين الخمسة الكبار دائمي العضوية في مجلس الأمن في عام 1946، وقد وّزع القرار المذكور المقاعد على النحو التالي: خمسة لدول افريقيا وآسيا، ومقعد لأوروبا الشرقية، ومقعدان لدول أميركا اللاتينية، ومقعدان لدول أوربا الغربية والدول الأخرى.
تُؤمن الإمارات العربية المتحدة أن لُغة الحوار والإقناع والتسامح والتسوية السلمية للمنزاعات الدولية، هي السبيل الأكمل والأمثل لتسوية النزاعات الدولية، وأن اللجوء للعنف والقوة المسلحة لتسوية هذه المنازاعات كما كان في العهود الغابرة لن يفضي إلا إلى تفاقم المآسي لشعوب الأمم المتحدة والعالم أجمع؛ لذلك كان منطقياً أن تكون الإمارات العربية أحد أهم الفاعلين والشركاء الدوليين الذين غَلُبوا لغة الحوار في تعاملهم مع النزاعات والأزمات والقضايا الإقليمية والدولية.
ذَهب الكُثر من الشُراح إلى أن الأساس الحصري في اختيار الدول غير دائمة العضوية في مجلس الأمن هو التوزيع الجغرافي العادل، والمُناوبة في ذلك التوزيع كل عامين ليشمل كافة أرجاء المعمورة، وغاب عن زعمهم أنه يراعي في ذلك الاختيار مدى مساهمة الدولة المرشحة في حفظ السلم والأمن الدوليين وفي مقاصد منظمة الأمم المتحدة الأخرى، وهنا نجد لزاماً ذكر هذه المقاصد الأخرى التي نصّت عليها المادة الأولى من ميثاق المنظمة وهي: "إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب، وتحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والإنسانية، وجعل منظمة الأمم المتحدة مرجعاً لتنسيق أعمال الأمم المتحدة، وتوجيهها نحو إدراك هذه الغايات".
تُجَسد الوساطة التي ما فتئت تمارسها الإمارات العربية المتحدة برهاناً ساطعاً للدبلوماسية الإماراتية في تسوية النزاعات الدولية، ولا تستطيع دولة أو منظمة دولية أو شخصية دولية أن تمارس أو تعرض على أطراف النزاع لعب دور الوسيط الدولي إلا إذا تيقن ذلك الوسيط الدولي بتوافر شروط الوساطة والعناصر الأساسية التي يجب توافرها في الوسيط، والتي تتضمن الحيدة، والمصداقية، وعدم التدخل في الشؤون السيادية للدول المتنازعة، والأهم في ذلك الصدد، ألا يلعب الوسيط الدولي ذلك الدور لأجل تحقيق مصالح ذاتية لدولته على حساب مصالح الدول المتنازعة، ولذلك شهد عامي 2020-2021 عرض الإمارات العربية وساطتها على الدول الأطراف المتنازعة على سد النهضة، كما بادرت بجهود حثيثة من أجل تسوية النزاع الحدودي المستفحل بين السودان وإثيوبيا.
تَسعى دولة الإمارات بشكل دؤوب لتعزيز وتنسيق برامج الإغاثة والمساعدات الإنسانية، وقد حَددت الإمارات نهجاً حيادياً يقوم على عدم ربط المساعدات التي تقدمها، بالتوجهات السياسية للدول المستفيدة، بل تُراعي في المقام الأول الجانب الإنساني الذي يتمثل في احتياجات الشعوب، مما يؤكد شراكتها المتميزة في ضمان صيانة السلم والأمن الدوليين، وعززت الإمارات كل هذه التوجهات الحضارية بجعل قيم التسامح والتعايش وقبول الآخر المختلف، المرتكز الأساسي في تفاعلاتها الدولية.
آمنت دولة الإمارات العربية المتحدة أن محاربة الفقر والجهل والمرض في كافة أرجاء المعمورة ودون تمييز أو تدخل في شؤون الدول والشعوب، يُعد السلاح الرئيسي بل الأول في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، ونزع فتيل النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، ومن هنا تولدت مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حيث شهد الرابع من أكتوبر 2015، مبادرة سموه العالمية كأكبر مؤسسة إنسانية تنموية مجتمعية في المنطقة، حيث استهدفت أكثر من 130 مليون فرد، وركزت المبادرة في برامجها على المنطقة العربية، والتنمية الإنسانية بشكل متكامل يبدأ بتوفير الاحتياجات البشرية الأساسية من صحة، ومكافحة الأمية، والفقر، ونشر الثقافة وتطوير التعليم، والعمل كذلك على تطوير جيل من القيادات العربية الشابة، ودعم الحوكمة الرشيدة في المنطقة، بالإضافة إلى توفير أكبر حاضنة للمبتكرين، والعلماء، والباحثين العرب، وفي عام 2020 قدمت المبادرة مساعدات إنسانية وإغاثية في مختلف أنحاء العالم بقيمة إجمالية بلغت 382 مليون درهم، وصل أثرها إلى 34.8 مليون شخص.
كل ما سلف بيانه، يجعل الإمارات بلداً مؤهلاً بجميع المقاييس، للإسهام بدينامية معهودة في إيجاد حلول للعديد من التحديات التي تقوض السلام والاستقرار والأمن في ربوع العالم، ويُعَظم من الأدوار المهمة التي يمكن أن تلعبها الإمارات في مجلس الأمن.