أحيت منظمة الأمم المتحدة "اليوم الدولي لضحايا العدوان من الأطفال الأبرياء"، في الرابع من الشهر الحالي.
مرّ الخبر عاديا، وحتى روتينيا، في خضم الويلات التي تعيشها المنطقة العربية، إذ نادرا ما تخلو أخبار الحروب وجولات عنفها على امتداد مناطق التوتر في هذه المنطقة من عبارة: "تسبب القصف في مقتل مدنيين بينهم أطفال".
ففي الجولة الأخيرة للصواريخ المتبادلة بين حركة "حماس" وإسرائيل" كان للأطفال دور وحضور إن في سجل الضحايا، أو في سجل مواجهة العدوان بتسجيلات تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي، وأثرت في الرأي العام العالمي، لأنها تضمنت شهادات أطفال يتحدثون عن بيتهم الذي تهدم وأحبائهم الذين تحولوا أمواتا.
سابقا، أطفال الحجارة، شكلوا بدورهم ظاهرة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وربما كانوا استطاعوا تغيير معادلة وصورة نمطية ارساها الإعلام الإسرائيلي، لولا التدخل حينذاك في القضية لشرذمتها بين معسكرين ومحورين، لا يزال العمل بهما مستمرا.
بدوره صدام حسين، وخلال الحصار والعقوبات، لطالما استخدم صور الأطفال الذين قضوا جراء نقص الدواء ليحرك مشاعر المجتمع الدولي لصالحه.
ولا تغيب عن الذاكرة صور جثث الأطفال الذين سقطوا في مناطق عدة من سوريا بفعل استخدام النظام الأسلحة الكيماوية، وفق التقارير الدولية. ويذكر أن عدد الأطفال الذين قتلوا منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011 وحتى عام 2018، بلغ نحو 19 ألف طفل، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
الطفل الفلسطيني محمد الدرة صار أيقونة، وكذلك الطفل السوري آلان كردي، الذي قضى غرقا ولم يكن يتجاوز الثلاث سنوات. وصعقت صورته على شاطئ تركي ضمير العالم، حيث كان برفقة والديه وأخيه فيما كانوا يحاولون الوصول إلى اليونان في قارب صغير محملٍ باللاجئين السوريين الهاربين من جحيم الحرب الأهلية.
ذلك أن ضحايا الحروب من الأطفال ورقة رائجة إعلاميا، وإن، وبكل أسف، لم تغير حتى تاريخه في معادلة أصحاب المصالح، دوليا وإقليميا.
والطفولة، أيضا، "سلعة رابحة" للاستثمار لدى تجار الحروب. ولعل "أطفال داعش" هي من أخطر الظواهر التي لا نزال نعايشها في عالمنا العربي، وإن انحسرت قليلا.
وكان المدير الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تيد شيبان، قد صرّح بأنّ "مخيم الهول والمناطق المحيطة في شمال شرق سوريا تضمّ أكثر من 22 ألف طفل أجنبي من 60 جنسية على الأقل، يقيمون في المخيمات والسجون بالإضافة إلى آلاف الأطفال السوريين"، وذلك في تقرير صدر في 28 فبراير الماضي.
ويبقى مثيرا للقلق مستقبل آلاف من أطفال مقاتلي التنظيم القابعين في مخيمات شمال شرق سوريا، لا سيّما من أبناء المقاتلين السوريين والعراقيين الذين تشكل استعادتهم ودمجهم في مجتمعاتهم مشكلة كبيرة بعد مقتل آبائهم أو اعتقالهم.
وكنا قد طالعنا صفحات من صحف عالمية تسلط الضوء على أطفال جنود إيرانيين سقطوا في ساحات المعركة أبان الحرب مع العراق.
وشهدنا في لبنان، أدلجة للأطفال في بيئة حزب الله من خلال نشاطات في ظاهرها كشفي، وفي باطنها عملية تحويل الطفل إلى مقاتل مع وقف التنفيذ، ليصار إلى تجنيده حتى قبل بلوغه سن الرشد القانونية عندما تدعو الحاجة إلى ذلك.
في مقال لأستاذ الصحافة بجامعة كولومبيا للشؤون العامة والدولية تناسيس كمبانيس، نشرته مجلة "فورين بوليسي" في 18 أكتوبر 2010، أورد الكاتب الذي زار جنوب لبنان، أن "كشافة الإمام المهدي (التابعة لحزب الله) تضاعف عددها إلى 60 ألفا بعد حرب 2006، وتسعى لزيادة العدد بقدر المستطاع".
وفي العام 2017، اتهمت المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ميليشيات الحوثيين بتجنيد مئات الأطفال في اليمن، عبر "خداعهم أو غوايتهم بمكافآت مالية أو مكانة اجتماعية".
وقدرت المفوضية الأممية عدد الأطفال الذين جندهم الحوثيون، في حينه، بأكثر من 1500، وأشارت إلى أن العدد "قد يكون أكبر بكثير لأن غالبية الأسر غير مستعدة للحديث عن تجنيد أولادها، خوفاً من التعرض لأعمال انتقامية". وأوضحت المفوضية أنها تلقت تقارير جديدة عن "تجنيد أطفال من دون علم عائلاتهم".
وتحدث قبل أيام مسؤول في الحكومة اليمنية عن أن تجنيد الأطفال يتم من خلال "أنشطة ودروس ومحاضرات دينية".
ولا يستطيع عاقل أن يدين طفلا أو يحاسبه. لا يستطيع إلا التعاطف معه والبحث في أسباب شقائه وبؤسه وحرمانه من الأمان.. أو انحرافه.
لكن العاقل يستطيع أن يستنتج وبكل يقين أن استهداف الأطفال إن بأرواحهم أو أمانهم الجسدي والمعيشي والنفسي، أو بتحويلهم "بضاعة" لدى تجار الحروب، يفخخ مستقبل مجتمعات البلدان العربية الغارقة في النزاعات.
وكثيرة هي الأدلة على أن تحويل الأطفال وقوداً للحروب أو عسكرتهم، إما بتغذية الحقد والرغبة في الانتقام، أو عبر البحث عن وسائل للتعويض عن الفقر والحرمان، أو بالتنميط والأدلجة، تقضي على فرص إنقاذ البلدان التي ينتمون إليها، وتؤشر إلى أنها مهددة بالانهيار والانحدار إلى أسفل سافلين.