هل هاك مبرر قوي للذعر حول العالم مما تسمى "السلالة الهندية" من فيروس كورونا (كوفيد-19) الناجمة عن طفرة أدت إلى تحور الفيروس؟ ربما، لكن ليس بالشكل الصارخ الذي يصوره الإعلام وأحيانا تصريحات السياسيين.

يعرف كل من درس اساسيات علم الفيروسات (فايرولوجي) أن من طبع الفيروسات التحور بالطفرات. وإذا كان فيروس كورونا الذي انتشر حول العالم كوباء بداية العام الماضي هو فيروس جديد تماما، فالأرجح أنه شهد طفرات عديدة أدت إلى تحوره في سلالات جديدة ربما بلغ عددها المئات. ذلك حتى لو كان ما يتم عزله من متحورات في حدود العشرات. والأرجح أيضا ان ذلك حدث منذ بداية انتشار الفيروس، ومن الصعب الجزم بأن أي بلد أو منطقة به سلالة واحدة أو حتى عدد قليل من تلك التحورات. لكن في الأغلب ما يعرف هو ما يتم عزله وتفكيك تركيبه الجيني.

حتى عملية العزل والتفكيك الجيني، لتي تعد بريطانيا من أكثر الدول تقدما فيها، لا تكون حاسمة دائما في البداية. فمن بين مئات الصبغات الوراثية على شريط الفيروس الجيني الوحيد تحدث الطفرات غالبا في بضع صبغات في حدود 10 إلى 20. وتلك الصبغات غالبا ما تكون لها علاقة بطريقة دخول الفيروس لخلية العائل الذي يصيبه وسيطرته عليه في مواجهة الجهاز المناعي لجسم العائل.

تشهد ملايين الفيروسات الموجدة في الطبيعة تحورات بلا حدود، ويواصل العلم رصد تلك الطفرات وتسجيل المتحورات في عائلات فيروسية ومجموعات فرعية غالبا ما يرمز لها بالحروف والأرقام بسبب عددها الهائل. ومن الطبيعي والمنطقي أن تحذر السلطات من تلك الطفرات والمتحورات، خاصة مع فيروس جديد لم يسبر البحث العلمي أغواره بعد.

لكن المبالغة في نشر الرعب لا تفيد. نعم على الناس أن تواصل الاحتياط والالتزام بتعليمات السلطات للحد من الانتشار والوقاية، لكن التخويف بنظريات المؤامرة والخرافات يضر بالصحة العامة بما لا يقل عن ضرر الوباء نفسه. فرغم أن السلطات الصحية رجحت في البداية أن سلالة جنوب افريقيا التي انتشرت في بلاد عديدة حول العالم أسرع انتشارا إلا أنه لا يوجد حسم علمي لهذا الأمر. وإن كان طبيعيا أن تكون التحورات الجديدة أكثر رصدا بين المصابين. أما أنها أشد فتكا والاصابة بها أكثر ضررا، فهذا أيضا تخويف بلا اساس علمي. إذ لا يزال رد فعل الأجسام المختلفة على الاصابة بالفيروس غير محسوم، وهو السبب في التطور المرضي الفظيع في بعض الأجسام دون غيرها. إنما الثابت علميا أن الأجسام التي تعاني من أمراض مزمنة أو ضعف الجهاز المناعي تكون أشد تضررا من الاصابة. وهناك حالات أخرى يكون رد الفعل القوي من جسم المريض على الاصابة هو السبب في تطور الحالة باعتلال أجهزة الجسم المختلفة، حتى رغم أن المصابين من الشباب أو الأجسام السليمة العفية.

ليس القصد من ذلك التخفيف من أضرار الفيروس ولا المتحورات، لكن التهويل الذي تذخر به وسائل الإعلام يضر بجهود احتواء الفيروس. والأكثر خطرا هو الجدل المستمر حول قدرة اللقاحات على مواجهة هذه السلالة أو تلك. وللأسف قد تقع الشركات المنتجة للقاحات، لأسباب تجارية أكثر منها علمية، في فخ تعظيم الجدل بتأكيد أن هذا اللقاح أو ذاك يقاوم هذه المتحورات أو تلك. رغم أن اللقاحات التي تم تطويرها في وقت قايسي ما تزال في طور التجريب.

إنما الأكيد علميا حتى الآن أن كل اللقاحات مفيدة في جعل أجسام من يتلقونها قادرة على مواجهة الاصابة بالفيروس، ايا كانت السلالة المنتشرة. ما يثبت ذلك هو الأرقام والاحصاءات اليومية التي تشير إلى تراجع أعداد الاصابات في المناطق التي تشهد عمليات تطعيم أوسع باللقاحات. كما أن أعداد الوفيات من الإصابة بالفيروس في تراجع واضح جدا. فرغم أن اللقاحات لا تمنع الاصابة لكنها تساعد الجسم على مواجهة الفيروس بما لا يؤدي إلى المرض الشديد او الوفاة.

المشكلة بالنسبة للهند أنها بلد كبير جدا، وسكانه يزيدون عن مليار وربع المليار من البشر. وفي أغلب مناطق الهند، لا توجد خدمات صحية مناسبة كما أن أوضاع الفقر والصحة العامة المتردية كلها تساعد على انتشار الوباء وزيادة أعداد الاصابات التي أصبحت بمئات الآلاف وكذلك زيادة عدد الوفيات. ولنتذكر أن الهند والبرازيل مثلا من الدول التي لم تبذل سلطاتها جهودا قوية في مكافحة الوباء في البداية، لذا تأتي الموجة الحالية شديدة الوطأة. كما أن تلك الدول ايضا لم تتوسع في التطعيم باللقاحات بالقدر الذي يوفر مناعة جماعية. أما الربط بين فيروس كورونا وحالات أمراض فطرية أو غيرها، فمرة أخرى ذلك بسبب الوضع الصحي العام في بلد كالهند وأيضا لعدم قدرة السلطات على توفير رعاية صحية جيدة وواسعة النطاق لأغلب السكان.