شكلت مجموعة التسلل الإلكتروني الجديدة "دارك سايد" سابقة مبهرة في توجيه ضربة إلى قطاع الطاقة الأميركي، وأخرى استهدفت النظام الصحي الآيرلندي، وثالثة لفرع توشيبا الأوروبي لإنتاج أشباه الموصلات، في ظرف أيام.

وطلبت المجموعة دفع الفدية بالعملات المشفرة، فحققت بذلك أربعة أهداف: جدية الإمكانيات، وإثبات اليد الطولى، وتحصيل الأرباح، وهز الثقة في العملات المشفرة الآمنة لتحصيل أتاوات الجرائم.

أبدعت هذه المجموعة في استحواذها على سيطرة إمدادات الوقود في الساحل الشرقي للولايات المتحدة باستخدام برمجيات الفدية ضد شركة كولونيال المشغلة للأنابيب، ومقابل الاحتلال المروع للموارد قالت المجموعة – بتواضع جم – أنها وراء المال فحسب، مع أنها حققت نتائجاً يحلم بها أي جهاز استخبارات، عندما أظهرت هشاشة الحماية السيبرانية لمجال حيوي، وأطلقت سلسلة من استجابات الهلع شعبيا ورسميا لاختبار سيناريو حرب فعلية، وتلقي أموالٍ من الضحية نظير ذلك.

من جانبه، قال جوزيف بلاونت، الرئيس التنفيذي للشركة الضحية كولونيال، لصحيفة وول ستريت جورنال منذ أيام، أنه اضطر إلى دفع 4.4 مليون دولار للمجموعة المتسللة، لأنه لم يكن متأكدا من درجة التوغل والإضرار في شبكته، ولا هو متيقن من المدة المطلوبة لاستعادة السيطرة من المتسللين وإعادة الخدمة.

إن الأضرار الفعلية والجانبية الناجمة عن هذه الهجمات ستدفع السلطات الإلكترونية والسيبرانية في كل دولة إلى تحديث أجهزتها وبرمجياتها وجدرانها النارية وسياسات عملها، ومن المؤمل – للصالح العام – أن يتم ربط الشركات الخاصة الكبرى وشركات التقنية التي تخدم قطاعات واسعة حكومية وتجارية وفردية بحماية حكومية داعمة لأنظمة حمايتها الأساسية التي ثبت اختراقها بشكل معمق وواسع. من الضروري أيضا أن تبادر الجهات المعنية بدراسة التقارير المفسرة لنجاح حالات التسلل هذه وكيفية إبطالها مستقبلا.

وبنفس القدر من الأهمية، لا بد من توعية أو استبعاد الموظف أو المتدرب المهمل لاحتياطات الأمن السيبراني، لئلا تتكرر فضيحة كلمة السر البسيطة solarwinds123 التي فتحت باب اختراق سولار-ويندز على مصراعيه، والذي أدى بدوره إلى سرقة شفرة برمجية المصدر لنظام ويندوز المنتشر حول العالم.

مقابل السذاجة الغربية في تقديس الحريات على حساب الأمن القومي الأشمل، وهو ما بدأ برفض تلقي لقاح كورونا وانتهى بالانشغال بالسلطة المتمددة لمنصات التواصل الاجتماعي، واتهام كل عقلائهم الداعين إلى تدعيم الأوساط الصحية والسيبرانية لتعود مجتمعاتهم منيعة ومحصنة ومنتجة. نجد أن أكبر قوتين في الشرق – الصين وروسيا – لديهما إنترنت وطني بلغتيهما وأدواتهما وإمكانية فصل الشبكة الوطنية المكتفية ذاتيا عن عموم نطاق الإنترنت الدولي.

هذه خطوات استباقية تحول دون تمكن المتسللين الغربيين من الهجوم رسميا أو الإجرام في حق السيادة الرقمية والمعلوماتية في الشرق، فالأمر اليوم يتعدى ضرورة تحصين البلد من الغزو العسكري إلى منع الغزو السيبراني، في زمن صرنا فيه نحمل محفظة النقود في تطبيقات الهاتف الجوال، وتجمع فيه بطاقاتنا المصرفية الغبار في الجيوب، ومرت علينا سنة ونصف خلال الجائحة لم يقم كثيرون منا بسحب أموال نقدية من أجهزة الصراف الآلي، ولو حدث هجوم على ما في هواتفنا وتطبيقاتنا الوطنية لأصابنا الشلل المادي والهلع، ولو أصيبت البنى التحتية في دولنا لشُلَّت معيشتنا.

أملي كبير في وعي السلطات الإلكترونية في دولنا، في قيامها بتنويع مرجعياتها الأمنية، وتحصين الفرد والنظام ضد الإهمال والتسيب – والأهم ضد العمالة غير المستبعدة، وأيضا فتح المجال لاستكشاف تصميم شبكة إنترنت وطنية للمعاملات الضرورية، تكون بمنأى إلى حد كبير عن الأضرار الفادحة التي قد تسفر عنها الهجمات السيبرانية المتقدمة شديدة التوغل في الأيام القادمة، إذ أن الحليف يضرب أحيانا نكاية بالعدو الأساسي.