جَد جديد عدّه البعض انفراجة مهمة في الانسداد الممنهج الذي ساد المفاوضات الماراثونية بين مصر والسودان وإثيوبيا منذ عشرة أعوام، ولكن تحفظ عليه الكثيرون من المتخصصين الفاهمين للنظام القانوني لإنشاء وتشغيل المشروعات المائية علي المجاري المائية الدولية العابرة بين الدول، منها بالطبع "سد النهضة الإثيوبي".
وأبدت إثيوبيا فجر اليوم السبت الموافق العاشر من أبريل عام 2021، استعدادها لتبادل المعلومات والبيانات الفنية لسد النهضة مع كل من مصر والسودان.
لقد شَدَدت لجنة القانون الدولي أثناء مناقشة مشروع مواد قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية لعام 1997م على عدم إغفال اشتراط الإخطار في مواد الاتفاقية المذكورة، من منطلق أن من شأن الإخطار أن يعزز الحد الأدنى من التعاون الضروري بين دول المجاري المائية الدولية في استخدامها المفيد لمواردها المائية المشتركة.
بهذا، شكّل الإخطار من وجهة نظر لجنة القانون الدولي التي وضعت نصوص هذه الاتفاقية الخطوة الإجرائية المبدئية التي لا غنى عنها للتعايش بين دول الشبكة، التي تخطط فيها مشاريع وبرامج إنمائية على المجرى المائي الدولي، ذلك أن واجب الامتناع عن التسبب في ضرر ملموس فيما إذا روعي بحذر، قد يؤدي إلى إبطاء الأشغال الهندسية أو الأنشطة المتصلة بالموارد المائية، هذا إذا لم يؤد إلى شَلّها، ولا يمكن تلافي هذا الأمر إلا بالاتصال بين دول المجري المائي الدولي، خاصة في الحالات التي قد يكون فيها للأشغال والأنشطة أثر هام خارج حدود الدولة.
و بهذا، تَبرز أهمية الإخطار كوسيلة لتحقيق التعاون بين دول الشبكة، ولتفادي النزاعات الباهظة الكلفة وغير الضرورية من خلال طريقة بسيطة تشكل حداً أدنى من الواجبات.
تبرز أهمية الإخطار كآلية ضرورية ومبدئية لتحقيق قدر أكبر من الألفة والتقارب بين الدول المشتركة في مورد طبيعي دولي، بحسب رأي للبنك الدولي بصفته مؤسسة تعاونية دولية، لأن الإخطار يجسد مبدأ حسن الجوار بين هذه الدول، فاشترط البنك الدولي قبل الشروع في تجهيز معاملات المشاريع الهندسية على المجاري المائية الدولية، إخطار الدول المشاطئة بالمشروع المزمع إقامته.
حتى أن البنك يقوم في بعض الحالات بنفسه بإخطار الجهات المعنية، لأنه يرى أن واجب الإخطار يشكل أحد القواعد الموضوعية التي يتضمنها القانون الدولي، ومبدأ معترفا به من جانب الهيئات العلمية والقانونية، ويتمتع بقدر من المساندة في ممارسات الدول.
هنا الالتزام بإخطار الدول المشتركة في مورد طبيعي دولي يتم عادة في حالات معينة تحتم تقديم هذا الإخطار، أي أنه يتوجب مثلًا عندما تنوي إحدي دول المجري تنفيذ مشاريع، مثل السدود أو المحطات أو الأقنية وغيرها، قد تؤدي إلى تغيير في تدفق مياه المجرد مائي إلى الدول الأخرى المشتركة معها فيه أو عندما تنتهي هذه المشاريع المراد اتخاذها على ضرر ذي شأن يؤثر على تلك الدول.
ونجد في القواعد القانونية الدولية ما يؤكد ذلك نصه قواعد مونتريال، على أن تتعاون الدول مع الدول الأخرى المعنية بإبلاغها في الوقت المناسب بأية أنشطة متوخاة في أقاليمها الخاصة قد تنطوي على خطر في شأن لحدوث تلوث للمياه أو تزايد له في أقاليم تلك الدول.
كذلك ورد في الفقرة الثانية من المادة الخامسة من اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل بأن "يتعهد كل بلد بإشعار الآخر بأية مشاريع ينوي تنفيذها قد تؤدي إلى تغيير تدفق أي من النهرين".
الإخطار لازم بمقتضى الاتفاقيات الدولية ويجب أن يتم قبل تنفيذ الأنشطة المزمع اتخاذها خاصة عند التوقع بأنه ستترتب نتيجة هذه الانشطة آثار ضارة بالدول الأخرى.
غير أن اشتراط القيام بالإخطار قبل تنفيذ التدابير المزمع اتخاذها يتم تفسيره وفهمه من قبل المعنيين بالقانون الدولي بأشكال عدة.
إذ يرى البعض أن الإخطار لا يستهدف الحصول على موافقات الدول المعنية، بل يهدف فقط إلى أن تحاط هذه الدول علمًا بطبيعة المشروعات المزمع القيام بها، في حين اشترط البعض الآخر ضرورة الموافقة على ما جاء في الإخطار المسبق، ليس قبل التدابير المزمع تنفيذها وحسب، وإنما ضرورة الموافقة أيضًا حتى على التعديلات المقرر تنفيذها التي يحتمل أن تسبب ضرر وبذلك لا يتوقف الهدف من الإخطار على مجرد إحاطة الدول المعنية علمًا بالمشروعات المراد إقامتها، بل يُلزم الإخطار اتفاق الأطراف على تنفيذ هذه الاشغال وذلك بعد أن تكون الدول المعنية قد قيّمت الآثار الممكنة للتدابير المراد تنفيذها.
وحددت معظم الاتفاقية الدولية شروطا يجب توافرها في الإخطار حتى يحقق النتائج المرجوة منه، من هذه الشروط "ضرورة أن يتم الإخطار في الوقت المناسب "أي لزوم توجيه الإخطار مبكرًا في مراحل التخطيط للسماح بإجراء مشاورات ومفاوضات اذا اقتضى الأمر، أي أن الاخطار يجب أن يسبق البدء بالأنشطة المراد تنفيذها بوقت كاف و مبكر ومعقول مثال ذلك ما ورد في المادة الرابعة من الاتفاق الذي تم بين كندا والولايات المتحدة عام بالنسبة لمهلة الإخطار يبدو أن هناك شبه إجماع في الممارسات الدولية على أن منح مهلة ستة قبل المشاريع المزمع اتخاذها تناسب عبارة "وقت مبكر"، وبأن هذه المهلة كافية للدراسة والتقدير من قبل الدول المتلقية للإخطار.
لذا ورد في معظم الاتفاقيات الدولية ذكر مهلة ستة أشهر تجنباً لإطالة المهلة دون داعٍ، لأنه إذا تم منح الدولة المتلقية للإخطار مدة أطول من ستة أشهر، قد يؤدي ذلك إلى تثبيط عزم الدول المرسلة للإخطار أو الدولة التي تزمع توجيه الإخطار.