بدا لافتا نقل وكالة رويترز عن مصادر دبلوماسية أنباء عن عزم ألمانيا تقديم خطة بمليارات الدولارات لإعادة بناء مرفأ بيروت. في الأمر جدية ما إذا ما صح أن وفداً ألمانيا سيزور بيروت (أكد الأمر السفير الألماني في لبنان) للتباحث مع المسؤولين اللبنانيين في هذا الشأن.
العرض الألماني، وفق ما نشر، مدعوم بموافقة بنك الاستثمار الأوروبي على تمويل جزئي بمبلغ يتراوح مابين 2 و 3 مليارات يورو. بيد أن تقرير الوكالة يضيف أن مصادرها الدبلوماسية أكدت أن العرض الألماني مشروط بتفصيل بسيط: "تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات"(!).
الشركات الألمانية التي تجمعت لإطلاق خطتها اللبنانية تنتمي للقطاع الخاص، وبالتالي تقيم معاييرها وفق حسابات الاستثمار وقواعد الربح والخسارة.
وإذا ما صح أنها نالت موافقة البنك الأوروبي الشهير، فذلك يعني أن خيارات سياسية، ألمانية أوروبية، تدفع، فجأة، باتجاهات لا تجاري رياح التعطيل الإقليمية المحلية التي ما زالت تحول منذ 8 أشهر دون تشكيل هذه الحكومة المطلوب منها خوض ورشة الإصلاح.
وقد يكون مستغربا للوهلة الأولى أن يكون "الهجوم" الاستثماري اللافت ألماني الجنسية، فيما "الهجوم" السياسي الدولي لتشكيل تلك الحكومة التي يشترطها مستثمرو ألمانيا، هو فرنسي الهوية بامتياز.
الأمر يطرح أسئلة حول ما إذا كان في الأمر تعارض أم تقاطع في مصالح برلين وباريس، أو أن الأعراض الاستثمارية الأولى ما هي إلا رأس جبل جليد تخفي طبقاته السفلى تآلفا أوروبيا دوليا تقوده باريس للاستعداد لليوم التالي لتشكيل حكومة بيروت العتيدة.
والمفارقة أن ألمانيا التي تتقدم بعرضها العملاق هي الدولة التي تضع حزب الله، بجناحيه العسكري والسياسي، على لوائح الإرهاب (كما بريطانيا والولايات المتحدة ودول أخرى).
فيما فرنسا ما زالت متمسكة باستمرار الاعتراف بحزب الله ومواصلة التعامل والتواصل معه بصفته حزباً سياسيا ممثلا في الحكومة والبرلمان، وتكتفي بالمقابل بتصنيف جناح الحزب العسكري إرهابيا (نائب أمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم سبق وأعلن أن لا فرق بين جناح عسكري وسياسي داخل حزبه).
ومن داخل علم المفارقات يطل التفصيل الألماني ليكشف عن أن ما يجري خلف الكواليس قلما يهتم للمشاهد التي تعرضها خشبات المسارح، وأن مصالح الدول تفرض رسما للخرائط يتم الكشف عنه في الوقت المناسب.
وفي علم المفارقات أن أمورا ما تحركت في لبنان بحيث يسقط "مقدس" سعد الحريري حول حكومة من 18 وزيراً، لصالح "متغير" نبيه بري بتعويم صيغة من 24 وزيراً، فيما تنهل تلك الحيوية رعاية من خلال "تطور" مفاجئ في موقف حسن نصر الله.
شيء ما يلاقي المحلي بالإقليمي بالدولي. نشط السفير السعودي في لبنان على نحو لافت في جولاته على بيوت سياسية لبنانية على نحو يعكس اهتمام الرياض براهن البلد ومستقبله. كان لافتا أيضا اتصال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان برئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة المكلف بعد ساعات على توجيه الوزير الفرنسي تحذيراً من "زوال" لبنان ومن إعلانه عن أجواء أوروبية عقابية قادمة على ساسة البلد.
وكان لافتا أيضا تواصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع ولي العهد العودي الأمير محمد بن سلمان للتداول حول شؤون لبنان (وفق بيان الإليزيه).
الحراك الألماني الفرنسي، ليس بعيداً عن التواصل الثلاثي الذي حصل بين ماكرون والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركيل والرئيس الروسي فلاديمير بوتن.
والأهم من كل ذلك أن أمر لبنان في مدّه وجذره مرتبط مباشرة بالتقدم المفاجئ الذي حصل الجمعة عقب اجتماع افتراضي لدول الاتفاق النووي (ما عدا الولايات المتحدة) أسس للجان وخطوات وآليات تعيد وضع أمر الاتفاق على السكة، وفق تعبير المندوب الروسي ميخائيل أوليانوف. وهذه الانفراجة في المفاوضات جاءت بعد محادثات دبلوماسية سرية بين واشنطن وطهران في فرانكفورت جرت مؤخراً، حسب ما كشفت صحيفة الغارديان البريطانية.
أعضاء الاتفاق سيعودون للاجتماع في فيينا (الثلاثاء حسب ما أعلنت طهران). والظاهر أن في الأمر اختراقا لدرجة أن تقرر واشنطن إرسال وفدها إلى العاصمة النمساوية دون أي تماس مباشر مع وفد إيران.
وأيا كانت لهجة إيران التصعيدية خلال هذه الأيام، فإن طهران تنزل عن الشجرة، ما قد يؤسس لانفراجات نسبية في ميادين عديدة تفسر توق برلين لإعادة بناء مرفأ بيروت واهتمام سفيرة باريس بطرابلس واكتشاف سفيرة واشنطن لأهمية مرفئها.