تستند الجماعات الإرهابية إلى دائرة واسعة من الجماهير المضللة تمثل الرافد الأساسي لقوة تلك الجماعات، والتي بدونها لا تأثير يذكر لهم.

أدرك تنظيم الإخوان ذلك مبكرا واستغل ما يمكن وصفه بأنه "ثقافة الحشود" التي تتعاطف مع كل ما هو ديني. ولم يجد التنظيم منذ البداية من يفضح تلك الانتهازية خشية أن يتهم بأنه "ضد الدين".

وربما يكون من صميم الدين والحرص عليه أن تكشف وتفضح من يستغله لأهداف دنيوية بانتهازية فجة وكذب على الناس البسطاء.

وكم لكثير منا تجارب في هذا السياق على مدار حياته. فمن منا لم يتعاقد على تنفيذ حاجة له اختار شخصا "يبدو كتدينا" لاعتقاده أنه لن يغش في عمله ولن يتربح بشره ثم اكتشف في النهاية أن ذلك التدين الزائف ليس إلا وسيلة تسويق وترويج تكبده خسائر ربما ما كان سيتعرض لها لو استأجر مهنيا معروفا بإخلاصه في عمله. في أرياف بلادنا يطلقون على هؤلاء "بتوع ربنا" ويكن ذلك سببا للثقة العمياء في نصابين وأفاقين. 

ثقافة الحشود التي تجعل أي عاقل يتردد في اظهار الكذب والتلفيق والانتهازية الرخيصة باسم الدين هي الرافد الساسي لقوة تنظيم الإخوان وجماعاته الإرهابية المنبثقة عنه.

فقوتهم التنظيمية في أكبر مجتمع ينشطون فيه مبالغ فيها بشدة، ولو اقتصر الأمر على أعضائهم المنظمين لما شكلوا أي أهمية. إنما هي استغلالهم لتدين الشعوب البسيط وركوب ثقافة الحشود بفرية أن هذا او ذاك "من الإسلام" حتى لو كان كذبهم صريحا فجا كما هي عادتهم.

في بداية عملي بالصحافة قبل عقود كتبت شيئا عن الشيخ الشعراوي، وكان وقتها ملء السمع والبصر في مصر وما وراءها. كانت مادة أرشيفية عن مواقفه السياسية المعلنة دون تحامل أو تحيز، إنما وضعها معا كان كفيلا بإيصال رسالة لا تتفق مع شبه التقديس الذي يتمتع به الرجل لدى الملايين. بالطبع منع الموضوع من النشر، وقال لي حكيم مخضرم في الصحيفة التي كنت أعمل بها وقتها أن أحمد الله أني لم ينته مشواري الصحفي الذي لم يكد يبدأ. وأذكر كلامه وقتها: "يمكنك أن تنتقد رئيس الجمهورية لكن ليس الشيخ الشعراوي"!!

بعد سنوات أدركت أن هذا الرجل، الذي كان بمثابة أيقونة لنا ليس في الصحافة والإعلام فحسب بل في السياسة والفكر كان يقصد أن "السباحة ضد تيار ثقافة الحشود" قد تفقد المرء حياته.

وبمرور الزمن، وشيوع السطحية والأمية المعرفية وتعطل التفكير إلى حد كبير (لماذا نفكر وبإمكاننا أن نسأل غوغل!!!) لم يعد ذلك الموقف مجرد تكتيك سياسي براغماتي بل خطر محدق وريمة في حق أنفسنا والإنسانية عموما.

إن أخطر ما في ثقافة الحشود أنها تدفع إلى مزيد من النفاق في إدارة شؤون الناس ومواجهة مشاكل الحياة. وليس من المبالغة القول إن التساهل مع تلك الثقافة والانحناء أمام تسيدها يعيد البشرية إلى زمن أجبر فيه الرعاع أرسطو على تجرع السم وهللوا لشنق جاليليو.

لذا، فليس أشد خطرا من الإخوان وإرهابهم وثقافة الحشود إلا ممالأتنا لهم ومحاولة اثبات أننا أحرص على ديننا منهم. فهنا، تنسحب إلى أرضية غير ذلك التدين السمح والطيب الذي يميز شعوب بلادنا في أغلبها. وتزيد من شوكة ثقافة الحشود لأنك إذا حاججت الجاهل غلبك وإذا حاججت العاقل ربما غلبته، فما بالك بمن جهله وسيلة كذب ونفاق رخيص باسم الدين.

ليس المرء بحاجة لإثبات تمسكه بدينه، أي دين، لأي من البشر فتلك علاقته بربه. وليس للناس من تدينك إلا سلوكك ومعاملتك. أما إدخال الدين في شون الدنيا وإدارتها فهذا ما يريده الإخوان وغيرهم ويراهنون فيه عل تعاطف الحشود لمتدينة بطبيعتها. فأول مواجهتك لهم أن تسلبهم ذلك السلاح الزائف المخادع، ولا تؤمن لهم رديف تعاطف الحشود.

المهم أن يكون الرد على هؤلاء بأقوى من لغو حديثهم، وأن يكشف للحشود أن الأمر لا علاقة له بالإسلام ولا بأي دين، إنما هي حياتهم الدنيا يريد الدجالون قمعهم فيها باستخدام الدين. ليس الأمر هينا بالطبع، ويتطلب شجاعة وحماية لحرية الرأي والفكر من المجتمع والسلطة.

والأمثلة للرد على أمثال هؤلاء كثيرة، وأغلبها من واقعنا المعاصر وتاريخنا القريب. فالشيخ الشعراوي الذي روج لشركات توظيف الأموال في مصر تحت ستار الدين والشريعة كان السبب في خسارة ملايين المصريين البسطاء لمدخراتهم حين انهارت لك الشركات وهرب أصحابها بالمليارات خارج مصر.

لكن للأسف، خشي حتى من يدرك الحقيقة من سطوة ثقافة الحشود التي تتابع الشيخ فلم يشأ "السباحة ضد التيار. اليوم نحن أمام تيار يمثل تهديدا حقيقيا وخطرا على أمننا القومي وسلامة واستقرار مجتمعاتنا، فإن لم نواجهه وليس فقط نسبح ضده، فنحن نساند الخطر على وجودنا.