كما كان متوقعا بادرت تركيا إلى التهجم على منتدى الصداقة (فيليا) والاجتماع الموسع لدوله الأعضاء الذي انعقد في العاصمة اليونانية أثينا مؤخرا بين سبع دول في حوض البحر الأبيض المتوسط والخليج العربي.
لا شك أن الاجتماع ذاك مثل تطورا مهما لجهة تبلور تحالفات عريضة ممتدة من المتوسط للخليج لتكريس التعاون والتكامل بين دوله، ولمواجهة التحديات المشتركة الداهمة، وضمنها الخطر الذي تمثله تركيا الأردوغانية في سياساتها التوسعية ضد العديد من الدول العربية والأوروبية من سوريا والعراق واليونان إلى قبرص وليبيا والصومال.
الدول المشاركة في المنتدى هي دول وازنة ومحورية، وأن يجتمع وزراء خارجية فرنسا واليونان ومصر والسعودية والإمارات والبحرين وقبرص، فهذا يعني أن ثمة توافقا عريضا عربيا - أوروبيا قيد التبلور ويمكن البناء عليه لتطوير هذا التحالف بما يخدم مجمل شعوب ودول المنطقة.
بل ويمكن أن يشكل هذا المنتدى الطموح بداية لتحالف استراتيجي طويل الأمد بين القارة العجوز والعالم العربي، حيث ثمة ولا ريب اهمال لأهمية هذه الموضوعة وضروراتها الحيوية من قبل كلا الطرفين، إذ إن العالمين العربي والأوروبي المتجاوران تضيق في بعض المناطق الحدود البحرية الفاصلة بينهما لأقل من بضعة كيلومترات، وحجم الملفات ذات الاهتمام المتبادل وقضايا التعاون والتكامل الممكن توسيعها وتطويرها بينهما لا تعد ولا تحصى، وذلك بالنظر إلى ما تتميز به البلدان العربية بمقدراتها ومواردها البشرية والطبيعية الهائلة وما تتميز به أوروبا بتقدمها التكنولوجي والصناعي ومنظومة قيمها الديمقراطية والحداثية العريقة.
من هنا فإن هذا المنتدى ليس كما تحاول أنقرة التي تتخيل نفسها مركز الكون عبارة عن مؤامرة عليها، بل أن الأمر يتعلق بتطور استراتيجيات وديناميات تكامل وتناغم اقليميين ترنو نحو المستقبل، وجزئية مواجهة التوسعية التركية وكبحها هي ولا شك مجرد إحدى القضايا التي ناقشها المنتدى لا أكثر.
ثمة والحال هذه وكما سبقت الإشارة مصالح وقضايا مشتركة لا متناهية تجمع الأوروبيين والعرب من الطاقة، إلى مكافحة التطرف والإرهاب والأوبئة، إلى استتباب الأمن سيما البحري في البحرين المتوسط والأحمر وصولا للخليج، وتعزيز قيم السلام والشراكة والتنمية والحوكمة الرشيدة، وفي مختلف حقول ومجالات التبادل تكنولوجيا وزراعيا وبيئيا ومعرفيا ... وما فعله منتدى الصداقة كان بمثابة الشروع العملي في الاستثمار في تطوير وتزخيم العلاقات الأوروبية - العربية بما ينعكس إيجابا على الأمن والاستقرار إقليميا ودوليا.