مشهد1

في مطلع هذا الأسبوع ظهر رئيس حركة النهضة الإخوانية في تونس راشد الغنوشي في لقاء عبر تطبيق زووم ليلقي بكرة لهب في وجوه الجميع ويعلن عن ضرورة إجراء تعديلات دستورية حتى يقوم النظام السياسي في تونس على نظام برلماني كامل، ليفتح بهذا التصريح ساحة جديدة للمواجهة ويطلق جولة جديدة من جولات الحرب الإخوانية على الرئيس قيس سعيد.

مشهد 2

في منتصف هذا الأسبوع ظهر الرئيس التركي لإخواني رجب طيب أردوغان عقب ترأسه اجتماعا للوزراء في أنقره ليقول : ربما حان الوقت لمناقشة دستور جديد للبلاد.

في قفزة جديدة للرئيس الإخواني نحو مزيد من الديكتاتورية وإحكام السيطرة على كافة مفاصل الدولة التركية
المشهدان وإن دارت تفاصيلهما في موقعين بعيدين جغرافيا إلا أنهما يصدران من موقع فكري واحد وينطلقان من ذات الجذر التنظيمي والحركي.

الإخوان لا يعترفون بالجغرافيا ولا يتعلمون من التاريخ، ففي تونس حارب الإخوان من أجل إقرار الدستور التونسي عقب الثورة التي أطاحت بزين العابدين بن علي وشكلوا مع الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي ثنائيا للتكويش على السلطة وعاشوا في ظلال هذا الدستور لاحقا - ورغم عدم الانسجام الكامل مع الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي - مرحلة مهمة تمكنوا خلالها من إحراز تفوق سياسي على جميع القوى الوطنية التونسية ، لكن يبدو أن فشلهم في تطويق الرئيس قيس سعيد وإجباره على التسليم الكامل والسير في ركابهم دفع كبيرهم إلى التلويح بتعديل هذا الدستور ظنا منه أن اللحظة مواتية لتحقيق الانتصار الحاسم.

وفي تركيا ظل أردوغان منذ وصول حزبه للحكم عام 2003 يحلم بتعديل الدستور ليصبح دستورا رئاسيا يمكنه من إحكام قبضته على مقاليد السلطة ، فكان له ما أراد مستغلا ما عرف بمحاولة الانقلاب الفاشلة ويتم بالفعل تعديل الدستور في يوليو 2018 ويتحول النظام السياسي في تركيا إلى نظام الرجل الواحد.

لكن أردوغان لا يقنع بذلك ويريد مزيدا من السيطرة وإبعاد من يراهم مصادر تهديد لاستمرار حكمه الديكتاتوري ، وهو يرى ما يراه الغنوشي أن اللحظة مواتية لتعديل الدستور.

مشهد قديم نسبيا

تحركات الإخوان في تونس وتركيا في علاقتهم بالوثيقة الدستورية وتطويعها لخدمة أهدافهم وتنفيذ مخططااتهم تذكرنا بتحركات مماثلة حدثت في مصر فيما عرف ب "غزوة الصناديق" في الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي جرت في مارس 2011 والتي هندسها الإخوان ومن معهم من التيارات السلفية والجهادية ، ثم ما حدث من لجنة صياغة الدستور الإخواني وجريمة الإعلان الدستوري التي ارتكبها الرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي وقادت إلى الإطاحة به وبجماعته.

والشاهد من هذه التحركات الإخوانية هو أنهم وإن اختلف الزمان والمكان لا يحترمون الدستور إلا إذا كان في خدمة أهدافهم ، ولا يعترفون بالديمقراطية إلا إذا كانت تؤدي لتمكينهم.

مشهد قديم جدا

وهم في هذا السلوك لا يعبرون عن حسابات التنظيم المرحلية، بل ينطلقون من أسس الجماعة الفكرية والحركية فالجماعة التي ظهرت للوجود بعد نحو خمس سنوات من إقرار دستور 1923 في مصر كانت بندقية للإيجار ، فلعبت مع الاحتلال والقصر لضرب حزب الوفد صاحب الأغلبية الشعبية والحضور الوطني الأبرز.

وحين ألغى رئيس الوزراء اسماعيل صدقي بتحالف مع الملك فؤاد العمل بدستور 1923 ليحل محله دستور 1930 الذي منح الملك السلطات الأوسع كانوا في الميدان مدافعين عن دكتاتورية إسماعيل صدقي ومولاهم الملك المفدى حسب تعبير مؤسس الجماعة حسن البنا.

وبعدها بات البنا هو فتى القصر المدلل الذي يحصل على التمويل السخي ويحظى بالرعاية الملكية.

إن قراءة سلوك الإخوان في أي قطر عربي لا تستقيم إلا بقراءة تاريخ مؤسس الجماعة وسلوكه على مختلف الجبهات سواء كان في ميادين السياسة أو ساحات الإرهاب، ولهذا حديث آخر يطول.