يا ترى ما هي الاسئلة الواجب تناولها من قبل مؤسسات البحث السياسي خليجيا، لكي نتحوط للمستقبل باقتدار أكبر، وهل يجب أن يعنى الباحثون بسيكولوجية بيت الحكم القطري، ومدى تسلط هواجسه "الوجودية" على فلسفة الدولة وسياسات الحكم.

والسؤال الاكثر صعوبة، هل نحن هنا اليوم خليجيا، بسبب سوء بعض تقديرات سياسية بالأمس، أم نتيجة استغلال قطر، في أبشع صور الانتهازية السياسية لقمة الدوحة 1990 في وضع مجلس التعاون لدول الخليج العربي أمام أكبر تحدياته حينها، والمستدامة حتى الآن.

خلال مشاركتي في مؤتمر حول تاريخ حكم شبه جزيرة قطر في الأول من يوليو 2018، تطرقت لأمرين لما اتصل بها بواقعنا الخليجي وقت انعقاد المؤتمر، أولهما مخاطر التفريط في تحصين أو المساس بأمن الجغرافيا الوطنية لأي دولة، وثانيا ما قد يمثله استحكام قطر على مياه الخليج العربي بعد الاستحواذ القسري على ضحال الديبل على مفهوم الأمن المشترك لا أمن الملاحة لكل من المملكة العربية السعودية، والبحرين.

لكنني سأقدم الثانية على الأولى في التناول ولأكثر من سبب، وهي مخاطر تحوّل تلك المياه تحت السيادة القطرية إلى ملاذ آمن لدول معادية مثل إيران لجوار قطر (السعودية والبحرين). وكلنا شهد حجم الطفرة في معدل عمليات تهريب السلاح والمخدرات إلى تنظيمات إرهابية في البحرين والسعودية. وكذلك قبول قطر أن تكون بوابة عبور في الاتجاهين لإرهابين مطلوبين للعدالة في كل من السعودية والبحرين، وتوفير أوراق ثبوتية لهم.

أما فيما يتصل بالنقطة الأولى، فإن أمور السيادة لا تحتمل حسن الظن فيما يتصل بها، ولا أزال عند ذلك الرأي إلى يومنا هذا. وما كان لقطر أن تواصل العبث بأمننا القومي المشترك لو لم يُقبل شرط التحكيم الدولي المنفرد في شأن ما ادعته من خلافات حدودية قد حسمتها اتفاقية الترسيم المصدقة عام 1937. قرار تحرير الكويت كان قد اتخذ، وما كان لقبول شرط قطر من عدمه أي ثقل سياسي حينها، إلا أننا مجتمعين دفعنا وسندفع ثمن تمكين قطر ماديا ومعنويا جراء ذلك.

لفهم قطر سياسيا، يستوجبنا الأمر البحث في سيكولوجية ما تأسست عليه قيادتها السياسية تاريخيا، وكذلك مفهومها لفلسفة الدولة. فهي منذ تأسست تعيش حالة من الرهاب الوجودي من محطيها المتماثل معها جغرافيا واجتماعيا، وتتناسى أهمية ذلك المحيط الذي أمّن عمقها الاجتماعي اللازم والضامن لاستقرار الدولة ونموها.

احتلال ضحال الديبل من قبل قطر عام 1986 كان مقدمة لمشروع قطر العشري، ولفهم ذلك علينا العودة لتاريخ توقيع قطر على أكبر قرض تمويل تجاري مع عملاق المصارف الأميركية حينها، "تشيس مانهاتن بنك" مطلع الثمانينات من القرن الماضي، وما مثله ذلك من إطلاق العنان لأمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني (ولي العهد حينها)، في تخليق مسارين متوازيين.

تمثل الأول في إعاقة التطور الطبيعي لمجلس التعاون لدول الخليج العربي، أما المسار الآخر، فقد تمثل في إيجاد عمق استراتيجي آخر للدولة خارج إطار عمقها الاستراتيجي الطبيعي.