كلما تم تناول دولة العثمانيين بالانتقاد هب أتباع العثمانيين الجدد يتهمون صاحب الانتقادات بتوظيف التاريخ لصالح صراعات سياسية.. وبشكل مباشر: فكل منتقد للعثمانيين هو متهم بشكل آلي أنه إنما يفعل ذلك نكاية في نظام أردوغان..
حسنا.. ثمة مثل شعبي مصري يقول "ضربني وبكى وسبق واشتكى".. وهو نفس ما يفعل العثمانيين الجدد وغلمانهم.. فهم يعرفون جيدا أنهم أول من مارسوا لعبة "لي عنق التاريخ" لخدمة أغراضهم.. وأن ما يجري من جانبنا إنما هو رد فعل على أكاذيبهم الدعائية، وأن من يهاجم العثمانيين إنما يفعل ذلك وهو يسوق حججه وأسانيده ومصادره، وهو لا يكذب ولا يمارس قراءة انتقائية للتاريخ وإنما يقرع الحجة بالحجة..
اعترف أن الأمر غير منقطع الصلة بما يجري في واقعنا المعاصر، فساذج أو مغيب من لا يدرك حقيقة أن النظام الأردوغاني يقوم بعملية استغلال وتوظيف ممنهجة للعبث بالواقع التاريخي بغرض التأثير سلبا على ولاء الشباب العربي لأوطانهم وأمتهم من خلال غرس فكرة فاسدة في أذهانهم تتلخص في أن التاريخ الإسلامي يختصر في تاريخ الاحتلال العثماني البائد لبلادهم وأن هذا الحكم العثماني الغاشم كان خير ما جرى لهذه الأمة وأن أردوغان ونظامه يبشر بعودة "الأمجاد القديمة" لـ"الدولة/الخلافة العلية أعادها الله".. ويستخدم تلك الدعاية لإضفاء شرعية أخلاقية ودينية لعدوانه على أمن واستقرار العرب خاصة في سوريا والعراق وليبيا ويجند لذلك المأجورون ممن باعوا ذممهم ليرددوا دعايته سواء كانوا رجلا مدلسا محسوبا زورا وافتراءً على كتاب التاريخ رغم أنه مجرد متطرف موضوع على قوائم الإرهاب، أو شابا مرتزقا يقدم نفسه كباحث في التاريخ العثماني يتخذ من تركيا وطنا له ويبلغ به الانحطاط أن يبدي الشماتة في الأشقاء السوريين عندما غزا أردوغان شمال بلادهم!
وهنا يكون دور أي مشتغل بالتاريخ لديه ولو الحد الأدنى من الأمانة العلمية والاعتزاز بتاريخ وطنه وأمته والولاء لهما أن يهب للرد على تلك الأكاذيب..
وهذا النشاط للرد على أكاذيب العثمانيين الجدد وغلمانهم هو ليس بالعبث بالتاريخ ولا هو باللي لعنق الحقائق، فكل كذبة عثمانية مردود عليها بحجة ودليل ومصدر محترم.. والتاريخ نفسه ليس مجرد حكايات وقصص بل هو وسيلة لفهم الماضي للوقوف على كيفية التعامل مع الحاضر، مما يضع على عاتق المشتغلين بالتاريخ مسئولية التصدي لأية محاولة لاستغلال هذا العلم العظيم لتحقيق أغراض خبيثة لنظام معادي للأمة العربية بأسرها..
بلى.. فبم يمكننا أن نصف نظاما دأب على دس أنفه الطويل في الشؤون الداخلية لأوطاننا؟ وفتح أراضيه لاستضافة جماعة الإخوان الإرهابية لتتخذ في بلاده منابرا تهاجم منها أوطانها بمباركته ودعمه وتشجيعه؟ وراح يرسل قواته تغزو شمالي العراق وسوريا وتقتل اشقاءنا في الدولتين، وبعث مرتزقته إلى ليبيا ليوقد نار الحرب كلما سعى أهل الإصلاح لإطفائها؟ إن من لا يرى في نظاما كهذا عدوا خطرا هو إما ساذج أو خائن!
فإن كان للدفاع العسكري رجاله وللسياسة الخارجية أهلها فإن للتاريخ المتخصصون به ممن يدركون أهمية وقوفهم في وجه أية محاولات للعبث به، فما بالكم لو كان وراء تلك المحاولات أغراض تهدد أمن واستقرار ومصالح الوطن والأمة؟ الفرق هنا أن المدلسون من غلمان العثمانيين الجدد يتناولون التاريخ بانتقائية ويتحرون الكذب، بينما من يرد عليهم لا يحتاج سوى لكشف حقائق الواقع التاريخي ردا عليهم دون اضطرار لانتقاء أو تدليس أو اختلاق..
أعتقد أن كل هذا المذكور من قبيل البديهيات.. وعلى من لا يدرك ذلك أن يراجع تفكيره ومدى جدية تعامله مع واقع الأمور..