اجتمعت عوامل انتشال الدول الاشتراكية بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، مع طموحات الحواضن والمسرعات الديمقراطية، ومعها أسواق المال الناشئة في تلك الدول حديثة الرأسملة، لتبرز لنا الملياردير المجري الأمريكي جورج سوروس؛ عراب دمقرطة الاقتصادات وتسييس الأسواق، والتوطئة لابتزاز الدول، فهل يصبح جيف بيزوس وموقعه أمازون، وثروته الأضخم في العالم (للأفراد)، سوروس الثاني في الاقتصادات الرقمية؟

تدفع ثنائية الثروة والسلطة أصحاب كل صنف إلى مد الجسور مع نظرائهم، فالساسة جياع أموال والأثرياء جياع سلطة، في طموح متبادل يعزز الميزة الأولى بالثانية والعكس. حقق سوروس إنجازات كبيرة في أسواق المال، بخبرته كمضارب صاحب دكتوراه في الاقتصاد وثمانية مليارات دولار من الثروة، فما الذي بمقدور بيزوس فعله باستحواذه على معظم سوق المبيعات الرقمية، وبثروة دفعتها حتى هذه الجائحة العالمية غير المسبوقة لتجتاز المائتي مليار دولار؟!

سوروس برز دعمه للديمقراطيين في 2004، سعيا منه للإطاحة ببوش الابن، لكنه لم يوفق. وبعيدا عن نظريات المؤامرة - التي يبدو أن كثيرا من الغربيين يشاطرون الشرق أوسطيين تبنيها - يمكن اختزال الدافع في التقاء المصالح لتبرير الانتهازية الطاغية في تنفيذ الأجندات. هنا يجوز التساؤل عن دوافع بيزوس الذي لم يقدم نفسه قط كمنحاز لأحد الحزبين المتقاسمين للسلطة في الولايات المتحدة؛ المتنافسين كثيرا والمتعاونين أحيانا، غير أن هذا المنتفع الأكبر من رقمنة الدنيا وإزاحة العقارات التجارية بمتجره الرقمي وخدماته السحابية، لا يبدو مكترثا لاقتصادات الدول النامية بنموها العضوي، وإنما سيتدخل لمصلحة نموذجه الناجح لحرق المراحل فيها على المنافسين الدوليين، وقد يلتقي مع الحزب الديمقراطي في تبني رموزه للصفقة الخضراء الجديدة، للتحول عن مصادر الطاقة التقليدية لكبح تغير المناخ. فإلى أي حد تستطيع دولنا النفطية التأقلم والتأثير على موجة التخضير والرقمنة الاقتصادية القادمة بتعاون أمريكي-أوروبي؟

في السياسة، شكلت فضيحة تسريب صور خيانة بيزوس لزوجه وطلاقه الملياري منها صدمة للرجل. وفي خضم بحثه عمن فعلها، أوردت الواشنطن بوست - صحيفة بيزوس وآخر محطات عمل الراحل جمال خاشقجي - قصة حاكتها من باب التنظير حول التقاء مصالح ترامب والسعودية للانتقام من مالك أمازون. وحتى بعدما قيل إن شقيق عشيقته هو من باع الصور لمن نشرها، ظلت البوست وأبواق ديمقراطية عديدة تهيل الحطب على نار النظرية الأولى.

الأسئلة الأهم الآن هي: ما الخطوات القادمة للملياردير المكلوم وغيره من أساطين الاقتصاد الرقمي والبديل؟ كيف وعلام سيتفقون مع الحزب الديمقراطي لحماية إمبراطورياتهم من التفكيك القانوني لمحاربة الاحتكار؟ ما الذي سيقومون به لإرضاء السلطة، وحتى الاتفاق مع الجمهوريين - الذين أكثروا استجواب هذه الفئة في عهد ترامب؟ هل سيتواصل غفران التجاوزات في عدالة التنافس وحماية الخصوصية مقابل تسخير الإمكانات لدعم أو تنفيذ أعمال سياسية واقتصادية عدائية ضد من تتفق أطراف السلطة والمال الرقمي على استهدافه؟

إن كان هذا المقال يدق ناقوس الحذر قبل الخطر، فالمطلوب من دولنا مناقشة هذه الأمور وراء الأبواب المغلقة بحضور متخصصين. هذا من قبيل عملية الإدماء الذاتي لنتعرف على مواضع الإصابة المحتملة التي قد يبدأ الخصم باستهدافها، وأيضا أوراق المساومة التي نعدها مزايا قوة نصد بها ما قد يحدث.