يبدو أنّ الهيستيريا الأذربيجانيّة والتركيّة قد وصلت إلى أعلى مستوياتها اليوم نظراً للتطوّرات الميدانيّة في ساحة المعركة، فالضغط الداخلي يتزايد في أذربيجان من جرّاء التململ العام في الشارع، لا سيّما حالة الاحتقان لدى الأقليات العرقيّة والإثنيّة كالتاليش والأفار والليزكين حول مسار المعارك الدائرة في أرتساخ (ناغورني كراباخ)، التي لا تسير حسبَ الوعود التي أطلقتها القيادة السياسيّة.
هذا بالإضافة إلى الخسائر الماديّة والبشريّة الهائلة التي تكبّدتها وما تزال تتكبّدها أذربيجان على الرغم من الدعم العسكري والمالي واللوجستي والسياسي والإعلامي الذي تحظى به من تركيّا وجورجيا وباكستان وأفغانستان والمرتزقة والإرهابيّين، التي وضعت القيادة السياسيّة الأذربيجانيّة في وضع ٍ محرج أمام الرأي العام الداخلي والخارجي.
هذا الأمر دفعهم إلى تغيير استراتيجيّتهم العسكريّة لتحقيق أهداف سياسيّة تتعلّق بإضفاء جرعة إضافيّة من "الشرعيّة" للاعتداء على أرتساخ. بناءً عليه, قامت القوات الأذربيجانيّة بقصف كاتيدرائيّة المخلّص المقدّس الأرمنيّة والمعروفة بكاتدرائيّة (Ghazanchetsots (Ղազանչեցոց في مدينة شوشي في أرتساخ (ناغورني كراباخ ), فتاريخ بناء هذه الكاتدرائيّة يعود إلى عام 1868, أي أنّها أقدم بخمسين عاما من تاريخ تأسيس دولة أذربيجان.
لماذا الاعتداء بالقصف الصاروخي على دور العبادة؟ وما الهدف من وراء استهداف هذه الكاتدرائيّة بالذات؟ علماً أن لهذه الكاتدرائيّة مكانة خاصّة ورمزيّة تاريخيّة لدى الأرمن. ولماذا اليوم؟ بعد 12 يوما على شن أذربيجان الاعتداء العسكري غير المبرَّر على أرتساخ.
من خلال استهداف كاتدرائيّة المخلّص, تحاول أذربيجان- ومن ورائها تركيّا- تغيير الطابع الأساسي للاعتداء الذي تشنّه على أرتساخ تحت ذريعة النزاع على أرض الإقليم إلى حربٍ دينيّة لها أبعاد جهاديّة لاستقطاب المتطرّفين والإرهابيين أكثر فأكثر للانتقال إلى أذربيجان.
بذلك, تحاول أذربيجان تحقيق هدفين: الهدف الأوّل يتعلّق بمعالجة المأزق الداخلي الناتج عن الضغط الشعبي المتنامي والمزاج العام من الاعتداء على أرتساخ الذي بات يهدّد حكم إلهام علييف, مع العلم أن نظامه البوليسي الأمني يواجه التظاهرات المندّدة بالحرب واحتجاجات أهالي الجنود القتلى بالقمع والعنف المفرط. أمّا الهدف الثاني, فهو محاولة خلق إطار شرعي من المنظور الديني لدعوة الإرهابيّين من العالم للمجيء إلى أرتساخ للجهاد من ناحية, وتحويل الأنظار عن السبب الحقيقي للحرب المتعلّق بإعادة إحياء الإمبراطوريّة العثمانيّة وتحقيق الحلم الطوراني من بلغاريا حتّى الصين بحيث تشكّل أرمينيا وأرتساخ العائق الجغرافي الوحيد أمام تحقيق هذا الحلم.
فلا مجال لأذربيجان وتركيّا للخروج من هذا المأزق إلّا بخلق واقع جديد في ساحة المعركة وتحقيق مكتسبات عسكريّة على الأرض من خلال استخدام ورقة الجهاديّين والإرهابيّين بعدما فشل جيشها بذلك بحيث تستطيع أن تستخدمها كورقة تفاوض خلال المرحلة المقبلة. فإذا لَم تحقّق أذربيجان أي تقدّم عسكري ملموس فلن تتمكّن من الجلوس على طاولة المفاوضات بعد أن فشل رهانها بتحقيق انتصار عسكري من خلال الحرب الخاطفة.
فماذا ستكون نتيجة المفاوضات غير التوصّل لوقف إطلاق النار في ظل المقاومة الشرسة لجيش أرتساخ التي أفشلت المخطّط الأذربيجاني لاحتلال أرتساخ بالقوّة؟