ليس بين العرب وإسرائيل بقايا قصف نووي، مثلما حدث بين أمريكا واليابان، من أجل ذلك لا بد من اتخاذ مبعوث النوايا التنموية الحسنة، المهندس الأمريكي الفذ ويليام إدواردز ديمينغ (1900-1993) مثلا أعلى في تضميد الجراح والتسامي فوق الدمار المهول المنقضي، بصفته أحد أكبر محفزات التنمية المهداة من أمريكا لليابان بعد الحرب العالمية الثانية.
شخصيا عرفت اسمه منذ سنوات الدراسة الجامعية، عندما وجدت صورته على شعار جائزة ممنوحة لإحدى شركات القرطاسية اليابانية الشهيرة، كان مكتوبا على غلاف قلم حبر من صنعها، وممنوحا نظير تميزها في الجودة. كان أول تساؤل لدي عن هوية هذا الأمريكي الذي صار رمزا للإتقان لدى أمة الإتقان ذاتها.
كان أستاذا في الإحصاء والهندسة الكهربائية وفيزياء الرياضيات. ابتعثته الولايات المتحدة للمساعدة في إحصاء النفوس بعد الحرب الكبرى عام 1947، وقام بتعليم الأعداد المتبقية من الفنيين الصناعيين والحرفيين في اليابان أنماط التحكم بالعملية الإحصائية، والتي استغلت التعبئة العسكرية في الإنتاج لصالح التصنيع المدني، وبه تم تعريف العامل والمشرف على الطرق المثلى للتصنيع والإنتاج، وانطلق إثر هذا النظام ما صار يعرف لاحقا بمعجزة اليابان الاقتصادية.
أسست اليابان جائزة ديمينغ في 1950، وصار المهندس الذي أراده الجنرال دوغلاس مكارثر عونا لاصلاح البنية التحتية الحرجة - بدءا من انقطاع اسلاك الهاتف - يحاضر للجيل الأول من صناعيي يابان السلام، ومنهم آكيو موريتا، المؤسس الشريك لعملاق الإلكترونيات سوني.
في كل دولة، على اختلاف المستويات، طبيب إنعاش تنموي، وصاحب إنجازات متقدمة في كافة الميادين. هؤلاء هم من يتمنى المرء أن يسعى الساسة لتمكينهم بين الدول الثلاث التي يجمعها اتفاق ابراهيم. هم الذين سيقدمون ما يسكت أصوات المعارضين والمشككين والمتوجسين. هم الذين سيقدمون البراهين المتتالية على صدق النوايا وسمو العقل والإنسانية، والأهم أنهم سيضعون حدا لصراع العقود السبعة بين العرب وإسرائيل، بشكل أشد وقعا وأطيب قبولا لدى الشعوب من أي أمر آخر.
هذا هو المفهوم الصحيح لمبدأ الصدمة والانبهار shock and awe، وليس الانتصار العسكري الخاطف.