عقدت دولة الإمارات العربية المتحدة اتفاقية سلام مع إسرائيل، وبهذا تصبح الدولة العربية الثالثة التي تتخذ هذا القرار، بعد جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية، وقد لاقى القرار قبولا من جهة، وشجبا من جهة أخرى.
وكان لافتا للمتابع أن أكثر من شجب هذه الخطوة هي الدول التي ترتبط مع إسرائيل بعلاقات وطيدة منذ سنوات طويلة، فدولة قطر كانت السبّاقة بين دول الخليج في التطبيع السياسي والتجاري والإعلامي مع إسرائيل، وكان طريفا أن قناة الجزيرة، التي كانت تجلجل بأطروحات قومية وإسلاموية ضد الغرب ومخططات الصهيونية العالمية، هي أول فضائية عربية تعرض خارطة دولة إسرائيل على شاشتها، وتستضيف ساسة إسرائيل وقادتها العسكريين.
وإذا لم يكن هذا تطبيعا شعبيا كلاسيكيا مع إسرائيل، فلا ندري ما هو التطبيع، وغني عن القول أن التطبيع الشعبي أقوى بعشرات المرات من التطبيع السياسي المدفوع بالمصالح ومتطلبات الأمن القومي.
تركيا ترتبط بعلاقات وثيقة مع إسرائيل منذ 72 عاما، وتذكر المصادر الموثوقة أن علاقة إسرائيل بتركيا ازدهرت بشكل كبير، منذ أن تسنم الرئيس رجب طيب أردوغان السلطة، اذ تجري إسرائيل تدريبات عسكرية روتينية على الأراضي التركية، وتزود تركيا جيش إسرائيل بقطع الغيار والتموينات الغذائية، وقد كتب صحفي تركي أن السائح الإسرائيلي هو السائح المفضل في تركيا، التي تعتبر وجهة سياحية رئيسية لسكان إسرائيل.
ولذا كان طريفا أن يعترض الرئيس التركي على اتفاقية السلام بين إسرائيل والإمارات، والأطرف هو أن يأخذ بعض العرب تصريحاته بجدية، وفي تقديري الخاص أن موقف أردوغان سببه الرئيس هو يقينه أن ورقة اللعب بالقضية الفلسطينية ستفلت من يده، فهو يرتبط مع إسرائيل بعلاقات وثيقة، ويمتهن تخدير العرب والفلسطينيين بالتصريحات الرنانة، وقد سئل مسؤول إسرائيلي رفيع ذات يوم عن موقفه من تصريحات أردوغان، التي يطلقها ضد إسرائيل بين الحين والآخر، فقال نصّا: "أردوغان صاحبنا نعرفه ويعرفنا!"
لا جدال في أن الموقف المتشنج والعدائي ضد الإمارات موقف مُسيّس وله سوابق تاريخية، وهذا الموقف لا يرى في دول الخليج غير النفط.
وإذا تابعنا مواقف المتشنجين ضد اتفاق الإمارات، نجد أن موقفهم متسامح مع تطبيع مصر والأردن وتركيا، ما يعني أن موقفهم ليس ضد التطبيع، بل ضد من يتخذ خطوة التطبيع، وهذا أمر مستفز للغاية، فالرسالة هي أن دول الخليج لم تشب عن الطوق بعد، وبالتالي تحتاج وصاية لاتخاذ أي قرار استراتيجي مصيري، وقد ترجم هذا المعني رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي تحدث عن الشعوب التي لا يوجد فيها أُمّية، في مقابل الشعوب الجاهلة، فإذا كان هذا هو رأي أحد كبراءهم، فكيف ينظر من هو دونه من المتشنجين.
ويظل أفضل ما حدث هو أن الإمارات اتخذت قرارها، وسيتم توثيقه في واشنطن في الخامس عشر من الشهر الجاري، وكان أهم تطور هو موقف الجامعة العربية، التي رفضت مشروعا فلسطينيا لإدانة الإمارات، ما يعني أن العقلانية حلّت محل الشعارات الفارغة، التي لم يجني منها العرب شئيا منذ عقود طويلة.
بعد قرار الجامعة العربية، قرأنا وسمعنا الكثير من الهجاء لها من الزعامات الفلسطينية، ومن المفارقات أنها ذات الجامعة، التي أدانت احتلال صدام حسين لدولة الكويت، ثم وقف الراحل ياسر عرفات شاجبا لها، رغم أنها شجبت احتلالا يماثل احتلال فلسطين، ما يعني أن زعامات فلسطين سابقا ولاحقا يتبعون ذات النهج، أي شجب ما لا يروق لهم ويتعارض مع مصالحهم الخاصة، لا مصلحة الشعب الفلسطيني، وهذا يقودنا إلى مأساة الشعب الفلسطيني الأزلية، أي هذه القيادات التي تتاجر بالقضية وتتربح منها، فهذه الزعامات، سواء في فتح أو حماس، تريد إطالة أمد القضية، طالما أنها الدجاجة التي تبيض ذهبا.
ولذا أرى أنه يجب أن تكون أهم أولويات الشعب الفلسطيني هي السعي لتنحية هذه القيادات، واستبدالها بقيادات براغماتية وطنية شابة، تعمل لصالح القضية حسب ما يتطلبه الواقع، وأنا على يقين أنه لو تم ذلك، لتم حلّ هذه القضية، وانتهت معها مأساة الفلسطينيين، ولكن كل شيء يشير إلى خلاف ذلك، وبالتالي سيستمر سماسرة القضية في التربح منها، وستستمر معاناة الشعب الفلسطيني، وبالتالي تكون الدول العربية في حلّ من أمرها، لتتخذ ما تراه مناسبا لمصالحها وتعزيز أمنها القومي، دون الحاجة للوصاية من أحد!