هذا الفقيه والمؤرخ الحنبلي عزيز على العقل، لأنه صنف مكامن الفرص الضائعة على الفكر العقائدي، والانشغال بالتوافه والوساوس عن المهام الجسام في مصنفه الخالد (تلبيس إبليس).

ولأنه يدرك تماماً لغة عصره وثقافته، أبدل النفس الأمّارة بالسوء بنسبة التلبيس على الحق إلى إبليس ذي الكيد الضعيف بدلاً منها – وهي الأمّارة بالسوء في الأصل، فالشيطان في عقيدتنا ما هو إلا خبير تجميل وتسويق للخطأ والمعصية، فلعل صاحبنا ابن الجوزي – أبا الفرج عبدالرحمن القرشي (توفي 12 رمضان 597هـ) – علم يقيناً طبع الناس في تعليق ذنوبهم على سواهم، فأراحهم من الإنكار.

هذه التوطئة هدفها تبيان سبب اختيار ابن الجوزي، أو إحياء قلمه مؤقتاً في هذا النص، لإضافة فصل افتراضي على كتابه الشهير، من باب التدليس الحميد، عنوانه افتراضاً (تلبيس إبليس على مناهضي التطبيع).

فصل: وأما تلبيس إبليس على من استمرأوا إطالة البكاء على ضياع بيت المقدس، وطلبهم إياه، فقد وقع بسببه ضررٌ كبيرٌ على الأمة جمعاء، ولم يبق مسلكٌ للقتال والجدال إلا وقد سلكه ولاة هذا الزمان مع بني إسرائيل، فمات خلقٌ كثير، وعُطِّلت معائش للناس، ونكصوا على أعقابهم لأنهم لم يعدوا العدة في حينها، ولأن من حمل الراية لم يرد بها خيراً، إلا قليلاً آثروا أن يبروا حديث النبي عليه الصلاة والسلام (لَزوالُ الدُّنيا أهونُ على اللهِ من قتلِ رجلٍ مسلمٍ)، فحقنوا دماء رعيّتهم وآثروا السلام.

ومن لبسه عليهم – لعنه الله – أن عبث بعقول ولاةٍ ورعايا، فجعلوا يبيعون جمهور المسلمين الوعد بالجنة مقابل الموت لدنيا غيرهم، فحق عليهم حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام (بين يدي الساعة.. دعاةٌ على أبوابِ جهنمَ، من أجابَهُم إليها قذفوهُ فيها.. هم من جِلدَتِنا، ويتكلمون بألسِنَتِنا)، فطاف الخراب والموت بديار المسلمين دون أن يصل بهم إلى مبتغى دعاة الضلالة، الذين انشغلوا بالتكفير والقتل في أهلهم والدعاء بالموت على غيرهم.

ومن لبسه – لعنه الله – على أهل بيت المقدس في هذا الزمان، أن دعاهم لمعاداة إخوانهم في الأصل والعقيدة، الذين أجروا عليهم من خراج ديارهم دهوراً، وأفنوا لاستعادة حقهم وحقن دمائهم أعماراً وأبناءً، وصبروا على عدوان الفرس والترك، الذين حالفهم أهل بيت المقدس على أهلهم في سائر البلاد جهلاً ونكاية، دونما خيرٍ نالهم منهم سوى الرياء.

ومن كثرة المجاهرين بمعاداة بني إسرائيل ومهادنتهم سراً، آثر أحد أمراء المسلمين في جزيرة العرب أن يسالم بني إسرائيل، بعد طول عناءٍ وزوال صبرٍ أوهنا العرب، إذ كان سائر المهادنين يغدرون سراً وجهراً بأمراء ورعايا عرب الجزيرة وشمال أفريقيا، ثم يطلبونهم المدد والخراج، فنفد صبر الأمير العربي، وعزم أمره، وجنح إلى السّلم كما جنح لها بنو إسرائيل.

قال المصنف رحمه الله في تتمة حديثه: والله نرجو أن يصلح بهذا ما لم يصلح بسواه.

خاتمة: أحاديث أشراط الساعة هي في جلّها أحاديث آحاد لا يعتد بها عند كبار العلماء، وعلى من يحدث الناس عبر المنصات الرقمية بأن السلام مع إسرائيل هو هدنة إلى حين الملحمة الكبرى، إنما يُلزم الضرورة السياسية والمبادرات الخيّرة بفرض مبدأ المراوغة بنية الغدر – أو مفهوم cloak and dagger ذي صبغة متأسلمة – تحض على زراعة شجر الغرقد ليقوم بالوشاية على اليهود المختبئين خلفه فيقتلهم المسلمون، وهو بذلك يدخلنا فيما يشبه نبوءات سفر الرؤيا التي تبحث في شعور الصبيان عن شعار الرقم 6 الثلاثي لتحديد المسيح الدجال وقتله، فتعقّلوا.