انشغال المجتمع الدولي في الترحيب بقبول وقف إطلاق النار في الحرب الدائرة بين إيران والعراق في 18 يوليو 1988، وفر الغطاء السياسي لكي ينفذ النظام الفاشي في طهران إحدى الجرائم الكبرى في حق البشرية والشعب الإيراني.

حينها أصدر الخميني فتوى بضرورة معاقبة كل المعارضين للنظام في المعتقلات والسجون بالقتل، حيث بلغ إجمالي ضحايا تلك المجزرة 30 ألفاً.

ونفذت تلك التصفيات في عموم سجون ومراكز الاحتجاز التابعة للنظام على عموم الأراضي الإيرانية، والجديد بالذكر أن جميع الأحكام قد نفذت في غضون 166 يوماً، وبمعدل 181 عملية إعدام بشكل يومي حتى نهاية 1988.

الفتوى التي أصدرها الخميني حينها، وأضع بين أيدكم جزءا يسيرا منها، تمثل أبشع صور الفاشية الثيوقراطية "آمل لكم أن تكسبوا رضى الله باستخدام غضبكم وحقدكم الثوريين ضد أعداء الإسلام. وعلى السادة الذين يتولون المسؤولية في تطبيق المصاديق أن لا يترددوا في ذلك أبدا، وأن يسعوا ليكونوا [أشداء على الكفار]. فإن التردد في مسائل القضاء الثوري الإسلامي إهمال وتجاهل لدماء الشهداء الزكية" انتهى الاقتباس.

تلك المنهجية الدموية لم تتوقف برحيل الجزار الخميني، بل باتت عُرفاً اصيلاً من الأعراف التي يحرص على العمل بها كل من أراد التقرب من المرشد، أو نيل الحظوة، بل ويعد أحد أهم المؤهلات السياسية. فغالبية سدنة النظام من أمثال إبراهيم رئيسي، كان أحد أكبر المتحمسين في إنفاذ إرادة الخميني، وينسب له تنفيذ النسبة الأكبر من أحكام الإعدام.

وسيستغرب القارئ، من أن أحد أسباب خسارة إبراهيم رئيسي لسباق الرئاسة أمام حسن روحاني، هو نكوص من سانده في عملية الترشح الأولى من القيادات الدينية مخافة محاسبة الشارع الإيراني لهم بشكل شخصي، ذلك أولا، أما ثانيا، فإن ثقة هذه القيادات الدينية باتت مهزوزة في قدرة ولاية الفقيه على تحقيق الاستدامة السياسية، نتيجة ما تواجهه من تحديات داخلية وخارجية.

لقد أثبت هذا النظام استخفافه بكل قيم الحياة عبر تاريخه، ونستحضر هنا إحدى مقولات الخميني إبان الحرب العراقية الإيرانية فقط للاستدلال على همجية العقلية الحاكمة لهذا النظام الفاشي "إن السلام دفن للإسلام" انتهى الاقتباس. تلك هي الركيزة الفلسفية لدولة ولاية الفقيه، فهي دولة لا تنتمي للعصر، ونظام سياسي فاقد لأهلية التصالح مع تاريخه السياسي الاجتماعي.

ومقوله الخميني آنفة الذكر تختزل البشاعة والحقد المستكينين في وجدان هذا النظام الفاشي تجاه شعبه وشعوب الدول المجاورة لإيران.

وبصمة هذا النظام اليوم باتت محسوسة على امتداد بلاد الرافدين، وتصل سواحل المتوسط عبر وكيلها الاشد بغضاً على للحياة، حزب الله في لبنان. وإن أردنا اختصار المراجعات السياسية في الاستشهاد بما يمثله استخفاف ذلك الحزب أو إيران بقيمة الروح البشرية، فإن فاجعة انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس الجاري هو المثال الذي لن يبارح وجداننا.

ما تعتبره البشرية جرائم في حق البشرية لا تسقط بالتقادم الزمني، وسوف يكون لهذه الوجوه التي غيبتها المقابر الجماعية ممثلين خلال انعقاد أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل.
وقد سبق أن صوتت المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين لصالح قرار إدانة لنظام الملالي الفاشي جراء هذه الجريمة في إحدى الدورات السابقة للجمعية العامة للأمم المتحدة.

واليوم، نحن مطالبون بدعم جهود كل الإيرانيين في المهجر أو منظماتهم السياسية في المطالبة بمحاسبة ذلك النظام الفاشي في طهران، وإن استطعنا أكثر من ذلك، فليكن.