بعيدا عن التفاصيل، نجد أن منفذ هجوم ريدنغ في بريطانيا قبل أيام يشبه إلى حد كبير نموذج الانتحاري الذي فجر مانشستر أرينا في 2017 وقتل أكثر من عشرين شخصا: شاب ليبي في العشرينات منح اللجوء في بريطانيا وانخرط هو أو أهله في الحرب هناك.
لم يتضح بعد إن كان أهل خيري صنع الله من أنصار الجماعة المقاتلة المرتبطة بالقاعدة وداعش وتزعمها الإرهابي عبد الحكيم بلحاج ومرشده علي الصلابي الذي انتقل الآن من قطر إلى تركيا. أما مفجر مانشستر سليمان عبيدي فوالده، الذي منحته بريطانيا اللجوء قبل نحو عقدين، من مقاتلي تلك الجماعة الإرهابية في ليبيا.
النموذج متكرر، من قبل ليبيا كانت هناك سوريا والعراق وأفغانستان والصومال: بريطانيا تمنح اللجوء لعناصر من جماعات متطرفة تدعي الاضطهاد في بلادها التي تمزقها الحروب التي تشعلها تلك الجماعات التي ينتمون إليها. وتعرف الأجهزة البريطانية هؤلاء وماضيهم، لكنها تغض الطرف – فيما يبدو على اعتبار إمكانية "الاستفادة منهم"!!
في كل مرة تقع عملية إرهابية يقوم بها من منح اللجوء قادما من بلد من البلاد التي ذكرنا، تزيد موجة الإسلاموفوبيا وينعكس ذلك على كل العرب والمسلمين وغيرهم من الملونين. وتتكرر حملات تشويه صورتنا في بلاد المهاجر، أكثر مما هي مشوهة بما تفعله جماعات إرهابية ومتطرفة في منطقتنا.
وفي أغلب الحالات، نعرف أن هذا الإرهابي أو ذاك "معروف لدى أجهزة الأمن والاستخبارات البريطانية لكنها لم ترَ مبررا لمتابعته".
المصيبة أن كثيرا من هؤلاء يعيش في بريطانيا على أموال دافعي الضرائب، ومنهم أغلبية العرب والمسلمين الذي يحترمون القانون. فيبدو الأمر وكأن السلطات تأخذ من الملتزمين الجيدين لترعى الإرهابيين السيئين، ثم بعد ذلك يشوه الجميع. ولا عجب أن يشعر كل عربي أو مسلم، من ليبيا أو سوريا أو غيرهما، يعيش في بريطانيا (وكثير من دول الغرب) بأنه يتم تشويهه بأمواله!!
وبريطانيا في مقدمة الدول التي ترفض حظر جماعات تعتبر البلاد التي نشأت فيها إرهابية، مثل جماعة الإخوان التي تفرعت منها أغلب جماعات التطرف والإرهاب حول العالم. والمبرر المنطقي المعلن هو التزام بريطانيا، كغيرها من دول الغرب، بقوانين حقوقية وغيرها تجعلها مكتوفة الأيدي أمام إمكانية تشريع حظر هؤلاء.
لكن الممارسة العملية توضح أن تلك القواعد والقوانين يتم تجاوزها في مناسبات أخرى بدواعٍ أمنية – وكأن خطر هؤلاء الارهابيين الأمني ليس مهما! وأيضا تجد الأجهزة في بريطانيا على علم بذهاب هؤلاء الذين يسكنون وينفقون من أموال دافعي الضرائب إلى بلادهم لممارسة العنف وأحيانا بشكل فج وواضح ضمن جماعات إرهابية مرتبطة بداعش والقاعدة. ولا يقتصر الأمر هنا فقط على ليبيا وسوريا، إنما الأمثلة كثيرة ولمن يريد الإحصاء فليقم ببحث سريع في وسائل الإعلام البريطانية في السنوات الأخيرة.
ويكاد البعض من فرط الغيظ أن يتصور أن السلطات إنما تدفعه للتشدد، أو على الأقل النقمة عليها. وهنا لضرب مثال أعرفه بشكل مباشر: عربي ترك بلاده مع بداية الحرب وجاء إلى لندن مدعيا الاضطهاد منح لجوءا ويعيش على أموال المعونة الاجتماعية لكنه يملك ثلاث سيارات إحداها فارهة، بينما جاره الذي يعيش ويعمل في بريطانيا منذ عقود ويدفع ضرائب ولكنه لا يستطيع شراء سيارة جديدة.
ثم بعد فترة، يقرأ الجار الملتزم دافع الضرائب في الصحف ويسمع في وسائل الإعلام خبر أن هذا الشخص، أو أولاده، يحملون السلاح في بلدهم الأصلي ضمن جماعة كذا أو ميليشا كذا. أو يقوم أحد أبناء هذا المدعي بعمل إرهابي في البلد الذي أواه ومنحه اللجوء وينفق عليه وعلى أسرته. وتغطي صفحات الصحف وشاشات الشبكات صيحات المعادين للعرب والمسلمين والعنصريين تجاه كل ما هو أجنبي. ويقع الضرر الأكبر على المسالمين الملتزمين بالقانون والأصول الذين يعملون ويكدون ويدفعون الضرائب.
ماذا تتوقع من هؤلاء الأخيرين؟ نعم، سيلومون العنصريين، ولكن ألن يعتبروا السلطات مسؤولة عن هذا التصعيد من البداية؟ أليست هي التي تأخذ من أموالهم لترعى هؤلاء المتطرفين، وكأنما تعدهم للاستفادة من نشاطهم؟
قد يبدو ذلك شططا، لكنه حقيقي ويدور في أذهان كثيرين. ويعرف كل من يعيش ويعمل في بريطانيا، وأمثالها من البلاد الغربية، أمثلة على ما ذكرنا آنفا، ويتعجب أغلبهم: كيف نرضى بأن يتم تشويهنا بأموالنا؟