لأول مرة يأتي ذكر الاحتباس الحراري ولو بشكل رمزي في بيان ختامي لمجموعة العشرين. كان في اجتماع وزراء المالية للدول الأعضاء، الذي انعقد في الرياض بتاريخ 23 فبراير 2020 رغم تحفظ وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشن.
الوزير الأمريكي فضل التوافق على "ما يمكن أن يكون للاحتباس الحراري من تأثيرات على الاستقرار الاقتصادي"، بدل الإقرار بكونه أحد المخاطر الحتمية له، إلا أن قبول إدارة ترمب بذلك يعد سبقاً للمجموعة. وزير الخزانة الأمريكي منوتشن علق قائلاً: "لن يتم ليّ ذراعنا من قبل الأوروبيين"، فهل احتاج العالم كارثة بحجم جائحة كورونا لتتحلى إدارة الرئيس ترمب ببعض المرونة في التعاطي مع ما يتسبب وسيتسبب به الاحتباس الحراري من تحولات مناخية مهددة لاستدامة كل أشكال الحياة في بقاع كثيرة من هذا الكوكب؟.
تمثل الكيفية الواجب اتباعها في إقناع الولايات المتحدة بضرورة دعم إداراتها المتعاقبة لمبادرات مكافحة الاحتباس الحراري، التحدي الأكبر للمجتمع الدولي، نتيجةً لاعتباراتٍ أمريكية، أولها جيو استراتيجي، وثانيها سلطة المال السياسي الأمريكي على صناعة القرار الوطني، وليس بالضرورة أن تكون وفق هذا الترتيب. إلا أن كليهما يتضارب والمصالح الاستراتيجية الأمريكية، لما لتأثيرات الاحتباس الحراري من آثار مباشرة على القدرة الدفاعية والعملياتية الأمريكية، بالإضافة للمضار الاقتصادية. ونستحضر هنا التقرير الصادر عن وزارة الدفاع في يناير 2019 بعنوان (تأثيرات الاحتباس الحراري على وزارة الدفاع/ نشر على موقع Defense.gov)، حيث خلص التقرير تحت باب (التأثير على ضمانات الجاهزية العملياتية في 79 منشأة حرجة في المنظومة الدفاعية لسلاحي البحرية والجو)، بأن 53 من أصل 79 منشأة معرضة للغرق نتيجة لفيضانات، و 43 من 79 معرضة لظواهر الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، و 36 من 79 معرضة لأخطار الحرائق الناجمة عن الجفاف. وقد تطرق تقرير سابق لانخفاض المعدل السنوي لبرامج التدريب والتأهيل للقوات العاملة الأمريكية بمعدل 53 يوماً نتيجة ارتفاع معدلات الحرارة.
إن تجاهل إدارة الرئيس ترامب أو إنكارها للاحتباس الحراري نتيجة انحسار او تحجيم الدور الأوروبي وعودة صراع الاقطاب، يعد مصدر تهديدٍ متعاظم لجملة التحديات التي ستواجهها البشرية في ظل هذا المناخ غير المستقر سياسياً. فإن عجزت وزارة الدفاع الأمريكية عن إقناع هذه الإدارة بمراجعة سياساتها ذات التأثيرات السلبية على قدراتها الأمنية والاقتصادية، فهل يتوجب على المجتمع الدولي القبول بالأولويات السياسية للإدارات الأمريكية المتعاقبة، دون أي اعتبار لتأثير تلك السياسات على كفاءة استدامة الحياة على كوكب الأرض؟
ولنا أن نتصور لو تزامن انتشار كورونا المستجد مع الحرائق التي اجتاحت كلاً من أستراليا وكاليفورنيا عام 2019، فستكون الأضرار الناجمة كارثية، والنزوح البشري داخلياً وخارجياً سيكون السمة الكبرى للكارثة. فهل ستقبل المكسيك مثلاً بمثل هذه الهجرة مع تفشّي جائحة كورونا في الولايات المتحدة؟ وهل ستلجأ الولايات المتحدة لاستخدام قواتها العسكرية في إرغام المكسيك على القبول بعملية النزوح والمخاطرة بانتشار الوباء على أراضيها؟ وكذلك الحال بالنسبة لأستراليا، فالجفاف كان أحد أكبر مسببات الحرائق، فكيف ستتم إدارة عمليات النزوح لأطراف القارة؟ وهل ستملك البُنى التحتية والإدارية لذلك مع تفشي هذه الجائحة؟
هذا السيناريو ليس ببعيد في حال استعصى المخرج من الجائحة. فحين يدخل الجزء الشمالي من الأرض موسم الصيف، فسيبدأ موسم الحرائق في الولايات المتحدة، ومشاهدها من أكتوبر الماضي لا زالت عالقة بالأذهان. وكذلك مشاهد الحرائق التي اجتاحت أستراليا منذ نوفمبر الماضي وامتدت حتى يناير 2020، أو إمكانية محاربة الحرائق في أوروبا وقد باتت ظاهرة ثابتة، وتعد إسبانيا إحدى أكبر ضحاياها، وقد شهد شهر يونيو 2019 بدء هذه الظاهرة، ونحن الآن نقترب من نهاية أبريل وإسبانيا منهكة من جرّاء الجائحة.
لم يعد الاحتفاء بيوم الأرض كافياً، ويجب على العالم التصالح مع جشعه بدل العزة بالإثم وترحيل الملفات المستعصية. فإن كان المبرر للتزاحم الفج هو بند تحقيق المصالح، فإن الصراعات المستقبلية ستكون على فضاءات جغرافية تضمن الحدود الدنيا لاستدامة الحياة. في أقل من موسمين، شهد كوكب الأرض ما للطبيعة من قوةٍ عارمة في هيئة حرائقٍ ووباء، فهل ستسجل البشرية موقفاً يتناسب وذلك الإنذار شبه النهائي إن لم يستفق الجنس البشري؟.