بعد أن انتهى حوالي نصف مشوار الانتخابات التمهيدية الأميركية، انحصر السباق في الحزب الديمقراطي بين اثنين من المرشحين، جوزيف بايدن وبرني ساندرز، وكلاهما في أواخر السبعينات من العمر.
وتأجل موضوع إمكانية أن ترأس سيدة الولايات المتحدة حتى إشعار آخر، بعد أن انسحبت عضو مجلس الشيوخ، اليزابيث وارين، ولم يكن لها خيار غير ذلك، فقد سقطت سقوطا مروّعا في انتخابات يوم الثلاثاء الكبير، ولم يكن أسوأ المتشائمين يتوقع أن تخسر حتى في ولايتها، لأن هذا أمر نادر الحدوث، وقد كان الديمقراطيون يعوّلون على أن تكون وارين خليفة لهيلاري كلينتون، وتصبح أول رئيسة لأميركا، بعد أن خسرت هيلاري هذا الشرف في واحدة من أعجب المفاجآت عبر التاريخ السياسي لأميركا.
ومشكلة وارين هي أنها لم تتمكن من تقديم نفسها كما ينبغي، كما أنها شخصية غير جاذبة، ولا تتقن فن الحديث واللعب على أوتار عاطفة الناخبين.
ليست مسألة التقدم في العمر هي فقط مشكلة بايدن وساندرز، فالرئيس ترامب في السبعينات من عمره أيضا، ولكن كل منهما لديه مشكلات خاصة، يصعب معها توقع فوزهما بالرئاسة، فساندرز يملك مواصفات جيدة، ولديه القدرة على الحشد، وتجذب أفكاره شرائح مهمة من الناخبين، خصوصا فئة الشباب، وهي شريحة مهمة جدا، لأن لديها الطاقة والحماس لتشارك في التصويت، كما أن أفكاره الليبرالية المتعلقة بالمرأة تجذب شريحة السيدات، وهي شريحة مهمة أيضا.
إلا أن ساندرز يعاني من تصنيفه الأيديولوجي، فهو ومنذ شبابه ينتمي لأقصى اليسار، وتروق له الأفكار الاشتراكية، بل إن بعض المعلقين المحافظين يبالغون في شيطنته، ويصفونه بالشيوعي، ومع أنه يحاول، ومنذ أن سطع نجمه، أن ينفي عن نفسه تهمة الاشتراكية، إلا أن هذا التصنيف قد التصق به، ويجد صعوبة في التخلص من هذا الإرث الثقيل.
الحزب الديمقراطي يدرك صعوبة مقارعة ساندرز لترامب، إذ إن الأخير سيدمر ساندرز من خلال وصمه بالاشتراكي، وغني عن القول أن مخيلة معظم الأميركيين تنفر من الاشتراكية، بعد التاريخ الطويل للصراع بين أميركا والاتحاد السوفييتي، وما علق بالذاكرة من ذكريات كارثية.
وبالتالي فإن الحزب قد حزم أمره بالوقوف خلف بايدن، وهو رهان محفوف بالمخاطر، أن تراهن على سياسي في أواخر السبعينات، وصاحب هفوات كبيرة، علاوة على افتقاده للكاريزما والحماس، وإذا أردت أن تتخيل مأساة الديمقراطيين الحالية، فما عليك إلا أن تقارن بايدن بباراك أوباما، مرشح الحزب في عام 2008، والذي كان شابا جذابا مفوّها، مع كاريزما مذهلة، وقدرة على مخاطبة الحشود الكبيرة، وخلاصة القول أن الديمقراطيين سيواجهون ترامب إما ببايدن أو بساندرز، والأرجح أنه بايدن، وكلاهما يعاني مشكلات جمّة، وهذا بحد ذاته محبط للديمقراطيين، ولكل خصوم ترامب في أميركا وحول العالم.