بعد زيارة قام بها وفد من سلاح الجو الأميركي لقاعدة نرويجية في أرخبيل سفالبارد، بهدف تقييم قدرة مدرجها على استيعاب هبوط طائرات النقل الضخمة، برزت على السطح بوادر خلاف بين روسيا و النرويج، على ما وصفته موسكو بـ "الحد من أنشطتها في جزر القطب الشمالي" التابعة سياديا لأوسلو.
هذه الأنشطة تتعلق لا محالة بمسارات الإبحار العسكري، وحفظ الأمن للأسطول الشمالي للبحرية الروسية، إلا أن الخشية تتعلق بتأثر جزيرة سفالبارد، إذا لم يحل هذا الخلاف بصورة إيجابية ونهائية. فهذه الجزيرة تحوي القبو العالمي للبذور والأعشاب الذي يجمع عناصر الغطاء النباتي من كل أنحاء العالم، وهذا الأرشيف الغذائي للبشرية لا يحتمل المساومة ولا العمل العسكري.
يضم قبو سفالبارد العالمي للبذور أكثر من 980 ألف نوع من البذور والأعشاب، تصنف على آلاف عدة من الفصائل، بنماذجها المحفوظة وخرائطها الجنية. وقد اتفقت كبرى الدول على حفظ وأرشفة محاصيل العالم الغذائية وأعشابه ومشتقاتها في هذا القبو منذ عام 2008، استكمالا لمبادرة نرويجية بدأت عام 1984.
ويعود اختيار الموقع، الذي كان منجم فحم، إلى المناخ البارد والارتفاع عن سطح البحر وقلة الكوارث الطبيعية والحروب المسجلة تاريخيا هناك، وهو ما يمنح الموقع مزايا الأمان لحفظ المخزون الاستراتيجي العالمي للحبوب الغذائية والبذور الخاصة بالنباتات والأعشاب المأكولة والدوائية، وهو ما يفترض أن يمنح هذا المشروع والأرض التي تضمه حصانة تبعده عن النزاعات.
عام 1920، نالت النرويج حق السيادة على أرخبيل الجزر مع احتفاظ روسيا ودول أخرى بحق الإبحار والتجارة عبر أراضيه ومياهه. وتبدو هذه التوترات الأخيرة كمظهر سيئ لمئوية السيادة النرويجية هذا العام على أرض تضم منشأة حفظ احتياطي العالم من الغطاء النباتي البديل، في حال دمرت عوامل الطبيعة أو أفعال البشر الغطاء الموجود.
مثلما ساهمت دول العالم بالتبرع بأندر عناصرها النباتية وأوفرها لهذا القبو، فإن العقل ومصلحة البشرية يلزمانها بأن تطالب بضمانات من أطراف النزاع الناشئ ليجنبوا هذا المشروع المصيري خلافاتهم، كي لا نندم ذات يوم على التفريط فيه أو عدم تدارك ما أدى إلى ذلك.