كلما نزلت الملمّات بعالمنا، نعتقد للحظة أن المناسبة الجامعة توفرّت لممارسة التضامن العالمي المُنتظر منذ مئات السنين، والذي نادى به رواد وصانعو التاريخ الجديد.
إلاّ أن لحظة الحقيقة العالمية تعود لتخيّب آمالنا، مثقِلة كاهل العالم بتحديات إنسانية واجتماعية جديدة، يحتاج كلّ صنف منها إلى عقد أو عقدين للانسحاب من التداول.
موجة الهزل التي خلفها فيروس كورونا، نموذج صريح لهذه الحالة الخطيرة وغير المتزنة، حيث انعكست بكلّ أسف منصة لإعلاء صوت التنمّر على أصداء الرعب المقلقة، التي تلف العالم من جراء فيروس قادر على قتل ربع البشرية، إذا لم يتم اختراع العلاجات الفعالة له خلال الأشهر المقبلة.
سهام التنمّر اتجهت إلى الصين بكل مندرجاتها، ناسها وجالياتها ومؤسساتها وحتى مطاعمها، على نحو بدا معها العالم وكأنه يرتجل نكتة سمجة بدلا من الاستفادة من المنصات الاجتماعية ووسائل التواصل لإطلاق حملات التضامن والإرشاد، وإشعار الصين أن العالم يتشارك معها هذه المصيبة...!
في المحصلة، ثمة انعزال جديد ومخيف يتسلل إلى عالمنا، لا يهدف إلى كسر روتين معيّن، بقدر ما يحمل نوايا مبيّتة بفرض مرحلة رجعية، سيعود خلالها النقاش للتلهي بعامل اللون والجنسية، بدل التحديات المعاصرة التي تحتاج تضامنا عالميا، عجزت العقود عن تحقيقه لاختيار الشعوب الهروب إلى الأمام عبر الطرق الأسهل، بمناقشة القشور وتناسي لبّ المشكلات.
ومما يؤسف له، أن التبرير الجاهز لهذه المشهدية المتنمّرة، عادة ما ينضوي ضمن إطار الكوميديا والفكاهة، غير أن المبالغة هذه المرة جعلت عالمنا يواجه المخاطر بما هو أخطر منها، فبات أمام آفتين، آفة كورونا وآفة التنمر القاتل.
"نحو عالم خال من الأمراض" .. واحدة من العبارات التي طبعت ذاكرتنا في العقود الأخيرة، لكن يبدو أن طرق تحققها لا تزال طويلة ومتعبة جدا، لأن عالمنا لم يتخلص من أمراضه الاجتماعية والإنسانية، فأمام تحديات قاتمة وعجز مضحك مبك، نسمح برسم انعزال جديد، ونسمح للتهكم بأخذنا إلى فصول الكوميديا السوداء، وهذه أكبر مشكلة!