أحد الأسئلة المطروحة على مائدة النقاش الدولي بقوة في الآونة الأخيرة، هو ذاك المتعلق بواقع الإرهاب في القارة الإفريقية السمراء، وإلى أين يمضي، وكيف يمكن مجابهته ومواجهته، بل وقطع الطريق عليه دفعة واحدة، بعد أن بدأ ينمو ويتمدد في الحاضنة الجديدة، التي فر إليها من مواقع ومواضع عدة؟
قطعا لا يمكن أن يكون الجواب سهلا، فما يحدث في إفريقيا في العقود الثلاثة الأخيرة، يؤشر إلى مشاهد عدة في مقدمها أنها أضحت ملعبا لحروب بالوكالة بين الأقطاب الدولية، وبين نظيرتها القادمة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى ليس سرا القول إن بعض الدول الإقليمية القريبة جغرافيا، تسعى لكي تجعل من إفريقيا ميدانا لمعاركها المستقبلية، وفي هذا الإطار تستخدم الجماعات الإرهابية كخنجر في خواصر تلك الدول، لتحقيق أهدافها السفلية المتدنية، ولهذا باتت العيون مركزة على إفريقيا، وما الإرهاب إلا أداة من أدوات فتح الطرق وتعبيد الدروب، أمام سيناريو هدفه الرئيس إعادة استغلال القارة المليئة بالخيرات والكنوز، لاسيما وأن الأصولية أعلى درجات الامبريالية، كما كان يقول المفكر الكبير الراحل سمير أمين الفرنسي الجنسية المصري الأصل، ورئيس منتدى العالم الثالث في السنغال رحمه الله.
ما الذي جعل قضية إفريقيا والإرهاب موضع الحديث في الأيام الأخيرة؟
حكما جاءت قمة الاتحاد الإفريقي الـ 33 الأخيرة، التي عُرفت بـ " قمة إسكات المدافع "، لتجعل مشاغبة ومشاغلة الشأن الإفريقي أمرا من قبيل الفروض لا النوافل، وفي المقدمة من شؤون القارة المكلومة يأتي حيث الإرهاب.
يمكن القطع بأن أكثر من خمسة عقود مضت على تحرر دول القارة السمراء من ربقة الاستعمار الغربي المباشر، غير أن إفريقيا لا تزال تئن من وقع أشكال مغايرة من صراع المتنافسين ومن قسمة الغرماء.
أحد أهم التحليلات الاقتصادية التي تجعلنا نفتح أعيننا بشكل جيد على ما يجري في القارة الإفريقية، هو الوضع الاقتصادي العالمي، إذ أن إفريقيا لا تزال الدولة البكر من جهة الموارد الطبيعية، وما لم يكتشف في قلبها أكثر وأكبر من ذاك الذي تم اكتشافه، ومن ناحية أخرى فإن إفريقيا تكاد تكون القارة الوحيدة في العالم التي تحتوي على فرص استثمارية مستقبلية لفترات زمنية تتجاوز القرن الحادي والعشرين، وتمضي بكل ثقة نحو القرن الذي يليه، ولهذا يمكن للمرء طرح علامة استفهام مخلصا التساؤل والبحث عن الجواب: "هل هناك من يود أن يجعل من الإرهاب وقضيته، التكئة التي تبرر عودة القوات الأجنبية تحت مسميات محاربة الإرهاب"؟
لنا عودة مع الجواب، غير أن الواقع يبين أن الإرهاب يتمدد وينتشر في الداخل الإفريقي بصورة سريعة جدا، تترك العقول تنساق وراء التفسيرات والتبريرات ذات الملمح والملمس التآمري، لا سيما وأن محركات الإرهاب الدولية، والفعلة الدوليين من ورائه، يكاد أن يكونوا ظاهرين للعيان.
باختصار غير مخل، ها هي إفريقيا تبقى ملعبا من جديد لموجة ثانية من الإرهاب الداعشي، والقاعدي، وما يجري في ليبيا بنوع خاص، يؤكد أن هناك مخططا لإشاعة الفوضىى في القارة الإفريقية، من خلال تسريب فيروس الإرهاب الفتاك إلى بقية دولها، حال تمكنت جماعة الوفاق، التي تدور في الفلك التركي والقطري، من السيطرة على مقدرات المشهد على ساحل البحر المتوسط.
خلال خطاب تسليم مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي قبل بضعة أيام، وضمن كلمته الافتتاحية، كان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يعلن عن استعداد مصر لاستضافة القمة الإفريقية لبحث إنشاء قوة إفريقية لمكافحة الإرهاب.
تأتي الدعوة المصرية لدول القارة الإفريقية إيمانا منها بأهمية هذا المقترح لتحقيق السلم والأمن في إفريقيا، ولهذا يدعو الرئيس السيسي إلى التشاور المستفيض حول كل الأبعاد التنظيمية والموضوعية لتلك القمة، والقوة المقترحة بمعرفة مجلس السلم والأمن الإفريقي، وهيئة مكتب اللجنة الفنية للدفاع، على أن يعرض على هيئة مكتب القمة في أقرب وقت.
دعوة السيسي يمكن قراءتها من منطلق أنه ما حك جلدك إلا ظفرك، إذ أن الرهان على الآخرين في معالجة القضايا المصيرية هو رهان خاسر، فالقضايا المصيرية تنطلق من الذات وليس من الآخرين.
حين عُقدت القمة الإفريقية البريطانية في لندن، كان من الواضح للجميع أن الهدف الأول الذي يسعى الأفارقة إليه هو التنمية الاقتصادية واستغلال ثروات القارة البكر، وتمكين أبنائها من عبور بوابات الألم والمعاناة، وقطع الطريق على ظاهرة قوارب الموت في اليم، تلك التي شاهدها الكون بأسره عبر شاشات التلفزة في الأعوام الاخيرة.
غير أن السؤال الذي يجب طرحه: "كيف لإفريقيا أن تعرف النماء والاستقرار يفارق روحها، والخوف يطارد ساكنيه من جراء جماعات تنمو بوتيرة غير مسبوقة، ومن خلفه دول تدعم وتزخم الأصوليات القاتلة وليس الضارة فقط.
على سبيل المثال ما تقوم به قطر وتركيا بالشراكة تارة، وكل منهما بأجندة خاصة تارة أخرى، من استحداث أدوات عسكرية، وتكثيف الاستثمارات والتدخلات تحت مظاهر مكذوبة كالمساعدات الإنسانية، وما تكشف في الأشهر الماضية من أسرار عن الدور الخطير للإرهاب القطري في دولة كالصومال، كفيل بأن يستدعي اليقظة والانتباه من الأفارقة، من المحيط الأطلسي إلى مياه البحر الأحمر.
يوما تلو الآخر تدرك الشعوب الإفريقية أنها تعود مرة جديدة لتضحى بين المطرقة والسندان، مطرقة القوات الأجنبية الغربية والشرقية، وبين نيران الإرهاب المحلي والدولي المتصاعد بصورة تهدد النماء والبناء.
دعوة الرئيس السيسي تعني أن يسارع الاتحاد الإفريقي لأن يأخذ بزمام مطاردة الإرهاب في أرجاء القارة، وهي عملية لا تبدأ من الإجراءات الأمنية والاستخباراتية، ولا من حدود العمليات العسكرية على أهمية الخطوات المتقدمة، وإنما ببلورة رؤية شاملة، لاستنهاض قوى إفريقيا الاقتصادية والاجتماعية، الفكرية والذهنية، فالإرهاب فكرة لا تنفك أن تصبح وحشا على الأرض.
فكرة القوة الإفريقية تحمل في طياتها معاني الوفاء والولاء للقارة من قبل أبنائها، وألا تصبح المزايدة على الحرب على الإرهاب، حصان طروادة لقوى أجنبية تحلم بالعودة من جديد إلى آفاق إفريقيا، التي كان لها فيها باع وذراع في النصف الأول من القرن العشرين.
المتابعون لعملية " برخان 2" التي تقودها فرنسا في الساحل الإفريقي، ربما تفاجئهم القرارات الفرنسية تحديدا الرافضة لمشاركة الأفارقة في إزاحة الإرهاب، وهو موقف مزعج في حقيقة الأمر، يقودنا مباشرة ومن غير مواراة ولا مداراة إلى القطع بأن هناك من يود للإرهاب أن يستمر، إذ يكفل له الغطاء لبقائه واستمراره.
قوة إفريقية تعني تحررا إفريقيا وطنيا من الإرهاب المعولم بأصابعه الخبيثة مرة جديدة، كما كان التحرر في إفريقيا الخمسينات والستينات بدعم مصري.