يكثر الكذب عادة قبل الانتخابات وخلال الحرب وبعد الصيد، قالها أوتو فون بسمارك، لكن نتنياهو وترامب تفوقا على مخططات كل من عرفناهم، يخوضون غمار هذه المنافسة لكسب المقاعد.
بات اليوم من الطبيعي أن ترى دولة عظمى، يفترض أن يكون دورها دبلوماسيا قدر الإمكان، يتجه رئيسها وحليفه المقرب إلى الزج بقضية شعب بأكمله، لا يستطيع حتى اليوم تقرير المصير، وينتهكان في عجلة من أمرهما أمام خوفهما من المحاكمات، جميع قرارات الشرعية الدولية، إنها انتخابات مقبلة نقف فيها أمام اثنين، أحدهما في حاجة ماسة والآخر يكابر، نتنياهو في مارس، و ترامب في نوفمبر.
خطة وليس صفقة، فلا أحد هنا اتفق معهما، نحن كالعادة نتعامل برد الفعل، ترامب لا يستطيع الانتظار أشهراً حتى تقرر إسرائيل من رئيس وزرائها، وبات نتنياهو قادرا على تقديم تنازلات على الأقل شكليا وتحمل عبء المخاطرة، ويرمي على ترامب حِمل تعديل الصور الذهنية في ما بعد، المطالبات بجلسة مغلقة في مجلس الأمن تعكس حجم الهزائم التي مُني بها الحليفان فالصفعة قوية، و"منظمة التعاون الإسلامي" عززت قائمة الرافضين لخطة السلام الأميركية، فهي وحدها تمثل مليارا ونصف المليار شخص، ولم يسبق في أي مفاوضات أن تم الحديث عن ضم غور الأردن كاملا لإسرائيل، وهو سلة الخبز للضفة الغربية وحدودها مع المملكة، إنها مستقبلهم الذي يبحثون عنه ولن يحصلوا على الضوء الأخضر إليه، فليس من السهل خداع العرب المتعلقين بالقدس بهذه الطريقة الرثة.
وزع مشروع قرار فلسطيني على أعضاء مجلس الأمن، وننتظر المفاوضات التي ربما ستطرح هذا النص على التصويت في مجلس الأمن في 11 من الشهر الجاري، وببساطة ستتمكن واشنطن من استخدام حق النقض "الفيتو" لتعترض، ولكن ستتبعها خطوة قوية بإجراء تصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث لا يمكنها استخدام الفيتو كما حصل، حينما اعترفت أحاديا بالقدس عاصمة لإسرائيل، إنهم مفلسون هذه المرة، وهم من يشعرون بالحنق لعدم قدرتهم على تسير أمورهم من دون منغصات، ولا استخدام ملف حاسم من هذه النوع لقلب مسار الأحداث والتشويش على خصومهم، وغدا لنا موعد جديد مع جاريد كوشنر، مستشار ترامب بلقائه سفراء مجلس الأمن الدولي، لإطلاعهم على تفاصيل الخطة، والتي رُفضت من الجميع باستثناء ثنائي المشهد الانتخابي ترامب و نتنياهو.
تحفظات كثيرة نبقيها على الواجهة ضمن أي مراجعة تخص هذه الدعاية، أبرزها حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي فقط عن "سيادة فلسطينية محدودة ومشروطة" واستخدام الرئيس الأميركي لفظ "شرق القدس" ، في بلدة أبو ديس، وتهوين الإسرائيليين من شأن أي احتمال لموافقتهم على تجميد النشاط الاستيطاني، وعدم وجود نية لدى إسرائيل بأن تعلن فرض الولاية القانونية الرسمية على بعض المستوطنات بمزاجها الخاص.
الدعاية الانتخابية التي يمارسها ترامب ونتنياهو والتي تبتعد تماما عن أي مبادرة سلام، ربما لا يمكننا ضمها إلى مبادرات المتعثرة السابقة خلال العقود الثلاثة الماضية، بداية من مؤتمر مدريد الدولي للسلام عام واحد وتسعين، واتفاقية أوسلو عام ثلاثة وتسعين، واتفاق الخليل عام سبعة وتسعين، والذي وُضع بعد تعثر تطبيق اتفاق أوسلو، وفشل قمة كامب ديفيد عام ألفين بعد مفاوضات دامت أسبوعين، و قمة بيروت" المبادرة العربية للسلام" عام 2002، والتي طالبت بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام سبعة وستين، وقمة في مدينة أنابوليس عام 2007 بدعوة من الرئيس الأميركي جورج بوش لاستئناف المحادثات، مع إعلان يهدف إلى توقيع معاهدة سلام خلال عام، وهو ما لم يحصل.. إلخ، وفيها جميعا لم يفوت الفلسطينيون فرصة للسلام وكل ما قدمته دعاية ترامب- نتنياهو مجرد زوبعة.
خطاب حال الاتحاد إعلان رسمي لحملة انتخابية شرسة أمام الديمقراطيين، وإطلالة الرئيس الخامس والأربعين من قاعة مجلس النواب، دلت على المفارقات التاريخية التي تتخللها، ومع تتبع مسار المبادرات السابقة، نجد أن ما قدم ليس نهاية الطريق، وليس قابلا للتطبيق، وستولد مبادرات مختلفة تصبح خطة ترامب نتنياهو خلفها بأشواط طويلة، وعلينا التركيز في هذه المرحلة على المخرجات الانتخابية لكليهما، لترتيب الأوراق معهما مجددا على أرضيات مختلفة وأكثر واقعية.