بدت الحركة العسكرية متسارعة منذ ساعات الفجر الأولى بين المئات من جنود الفرقة السابعة الموجودين على رقعة تتسع لـ5000 منهم، قرب نهر الفرات بالأنبار، والتي شهدت العديد من الحروب والنزاعات وبقيت صامدة منذ البدء في بنائها عام 1980.

الجميع هنا يرفع درجة الجاهزية داخل الثكنات، استيقظوا على تعليمات أمنية جديدة، وبدأت الترتيبات لإنشاء تحصينات أمنية من نوع مختلف، نحن الآن في عين الأسد، القوات الأميركية لم تغادر ولم تقلص عدد الجنود، وقررت أن تواجه التهديدات المتواصلة من جانب الميليشيات الموالية لإيران.

"إنَّ كل شيء على ما يُرام وجارٍ تقييم الخسائر، سأُدلي ببيانٍ صباح الأربعاء" نقطة انتهى. هكذا قلل الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الثامن من يناير 2020 من تأثير الضربات الإيرانية على قاعدة عين الأسد وأعلن فرض عقوبات جديدة على إيران، برود كبير تتمتع به واشنطن أمام تهديدات ميليشيات إيران في العراق لأي وجود أميركي.

35 ألف جندي أميركي، موزعون في 18 قاعدة  في العراق، 3500 منهم يتمركزون في مقر السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء، فلا تهتز لترامب شعرة عند الحديث عنهم، وتشعر أنه والبنتاغون على ثقة بأنهم سيكونون بخير، ربما شكل تمركزها يبدو باعثا على هذه الثقة.

نتحدث عن قواعد إقليم كردستان، قاعدة قرب سنجار، وأخرى في منطقتي أتروش والحرير، وقاعدتان في مدينة حلبجة في السليمانية قرب الحدود الإيرانية، والتون كوبري التابعة لكركوك، وفي الشمال قاعدة في مطار "القيارة" العسكري جنوبي الموصل، وفي الغرب قاعدتان أساسيتان في الأنبار التي تحاذي سوريا والأردن؛ هما قاعدة "عين الأسد" في قضاء البغدادي، و"الحبانية، وفي الوسط قاعدة بلد الجوية في صلاح الدين، وفي العاصمة قاعدة فكتوري "النصر" داخل حدود مطار بغداد الدولي. 

سترتكب واشنطن خطأ عام 2011 إذا ما انسحبت من العراق، حين تركته غير قادر حتى على ضمان أمنه واستقراره الداخلي، واشنطن في ذلك الوقت دمرت قدرات القوات المسلحة العراقية على ردع إيران ولم تقدم خطة واضحة لاستعادة الأمن والنظام، وأخفقت في التفاوض مع العراقيين على استراتيجية "ما بعد واشنطن"، اليوم وبعد عقد من الزمن المشهد الدولي مختلف تماما.

القناعات الأميركية باتت أكثر تمرسا مع استمرار مؤشرات عودة محتملة لأنشطة تنظيم داعش في بلاد الرافدين، وعليه لن نسمع عن استجابة من واشنطن لدعوة سابقة للبرلمان العراقي بانسحاب كامل للقوات الأميركية، اليوم ولأول مرة نسمع الإدارة الأميركية على لسان وزير الخارجية مايك بومبيو تعلن استعدادها لمناقشة مستقبل الوجود الأميركي العسكري في العراق، هو لا يعني الانسحاب مطلقا.

عندما رحب زعيم الأكثرية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأميركي هاري ريد بالانسحاب عام 2011 وصفَ الأمر بالربيع، وفي المعسكر الجمهوري كان الرعب باديا على السيناتور لندسي غراهام، وقالها دون تردد: ما يجري سيعود ليؤرق بلادنا، صدق غراهام، ويبدو أن ريد كان يحلم كثيرا، أبعد مما تخطط إيران، فعندما لا يكون الطريق معبدا، عليك أولا النظر أسفل قدميك لتستطيع إكمال المسير، لا أن تنظر بعيدا في الأفق وتحدثني عن شيء تراه وتؤكد لي أنك قادر على الإمساك به، هذه ما يسمى "بيع الوهم".

بومبيو غاضب مجددا من ضربات وكلاء الشر على السفارة الأميركية، يتصل هاتفيا بعادل عبد المهدي، فماذا يرجو منه ؟ وهو رجل الورقة الخاسرة الذي قررت طهران مؤخرا أن تبعده تماما، يطلب من لا يملك مِن مَن لا يستطيع أن يعطي، وللمصادفة هذه المرة الأولى التي تصف فيها الحكومة العراقية المستقيلة استهداف السفارة الأميركية بالعدوان.

إنها أساليب تسيء للعراق، هذا ما تجنيه بغداد من وكلاء الشر، ما الذي يمنع العراق الغني بمثقفيه ومفكريه وعقلائه من الدفع لتعديل اتفاقيات وجود القوات الأجنبية على أراضيه؟ قالها إياد علاوي: يمكننا إلغاؤها أو تنظيم أخرى جديدة إن اقتضت الحاجة، وستكون جميعها تحت سلطتنا العراقية، في المحصلة إن استمر الوضع على ما هو عليه من عدم قدرة العراق على حماية البعثات الأجنبية، سيقبع لا محالة وقريبا تحت عقوبات قانونية وتعويضات مالية يفرضها المجتمع الدولي.