طالما كانت الصحة مطلبًا أساسيًا عند المسلمين، منذ البدايات الأولى لدولتهم الناشئة، التي تمخضت عن حضارة عظيمة استمرت نحو 800 سنة..
يمكن للقارئ بسهولة، أن يدرك ذلك من خلال بعض النصائح والعبارات الواردة في كتب التراث، على ألسنة مؤسسي الدولة في أحاديثهم العادية، كقول الرسول محمد للطبيب الذي أرسله له المقوقس "ارجع لأهلك.. نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع" أو المنسوب له من أمره ألا يدخل المرء بلد به الطاعون كيلا يصاب به، وإذا ظهر الطاعون ببلد هو فيه ألا يغادره كيلا ينشر العدوى، أو كنصيحة الخليفة عمر بن الخطاب للمسلمين، في اختيار موقع بناء الكوفة "إن أبداننا يوافقها ما يوافق إبلنا".. ذلك الاهتمام الذي تطور مع الدولة والحضارة، ليتحول من مجرد نصائح ونمط حياة، إلى موروث علمي دسم وليصبح الطب من أشهر التخصصات والعلوم، التي فاق فيها المسلمون مَنْ حولهم.
فالمسلمون لم يكتفوا بما يمكن وصفه بـ"الطب البدوي"، وإنما استغلوا ما ورثوا من كتب أطباء الحضارات السابقة، ليطوروا ويصححوا ويضيفوا لتلك الكتب، وليؤسسوا منظومات صحية قوية، في حواضرهم وكبريات مدنهم، وليبرعوا في مراحل مواجهة المرض، من الوقاية الاستباقية حتى النقاهة والمتابعة، مرورًا بالعلاج.. ولتصبح الصحة العامة ركنًا أساسيًا من مهام الدولة ومظاهر حضارتها.
تميز المسلمون بهذا، فتداخل مطلب الصحة مع سياساتهم، منذ اختيار مواضع المدن، بحيث لا يكون في مواقع هوائها وخم، أو في مائها عكر أو عرضة للرياح الحاملة للأمراض، ثم تخطيطها بحيث تكون شوارعها ودورها حسنة التهوية وسهلة التنظيف، وفرض القوانين الصارمة على أهلها لمكافحة التلوث والقاذورات، وما يتبعهما من تفش للأمراض والأوبئة.. وإنشاء المستشفيات (البيمارستان) وترتيب الوظائف الطبية لرعاية المرضى، وإجراء الأرزاق على أساطين الطب وتشجيعهم على تعليمه لغيرهم.. هذا بينما كانت شعوب أوروبا-باستثناء الأندلس- تعاني التلوث وإهمال الصحة العامة ويسود الجهل ممارستها العلاجية، وتحول الطب إلى شعوذة ودجل، بينما يعاني العلم الحقيقي اضطهادًا باعتباره هرطقة وكفرًا..
لهذا يمكننا أن نتفهم سخرية واستهجان الأمير والأديب أسامة بن منقذ في كتابه "الاعتبار" ممارسات الفرنجة مع مرضاهم ومصابيهم، ووصفه لها باعتبارها همجية وتخلفا..
بقى هذا حال الشعوب الإسلامية، حتى جاء العثمانيون فقلبوا الآية رأسًا على عقب!
فكيف كان الحال قبل مجيء العثمانيين؟
البيمارستان المنصوري:
في عصور ما قبل الغزو العثماني كانت البيمارستانات/المستشفيات تنتشر بأرجاء بلاد العرب في مصر والشام والعراق وغيرها، وقد أنشأها الخلفاء والملوك والسلاطين من عباسيين وسلاجقة وطولونيين وأيوبيين وزنكيين وغيرهم.. إلا أن البيمارستان المنصوري كان هو النموذج الأرقى بينها..
أقيم هذا البيمارستان بأمر من السلطان المملوكي المنصور قلاوون-ولهذا يُعرَف بالمنصوري- لا ليكون مجرد "مَشفى" صغير وإنما ليكون مركزًا طبيًا على أعلى المستويات بمقاييس هذا العصر بل وعصور لاحقة.
فقد أخذ المنصور قصر إحدى الأميرات- وعوضها أفضل منه- ثم بدأ إعداد هذا القصر وأجرى على العمل فيه الأموال حتى تحول إلى بيمارستان أنيق، ثم قسمه لأقسام ورتب له الأطباء والصيادلة والخدم والفراشين والمشرفين، وافتتحه باحتفال كبير وأوقف عليه الأوقاف عظيمة الدَخل لتموله باستمرار.. وصارت إدارته بمثابة "قرار سيادي" فلا يعين فيها إلا أحد الأمراء البارزين بأمر وإشراف مباشرين من السلطان، وهكذا استمر العمل به حتى بعد وفاة قلاوون وطوال العصر المملوكي.
هذا البيمارستان كان مقسمًا إلى قاعات حسب نوع المرض، وفيه قسم للرجال وآخر للناس، وقسم للمرضى النفسيين والعقليين، وقد رُتِبَ لهم من يقومون على ترفيههم والترويح عنهم، من موسيقيين ومهرجين وأهل مهن الترفيه في علامة على إدراك أهل هذا العصر لأهمية الصحة النفسية، وعُيَنَ فيه الأطباء بتخصصاتهم من"طبائعيين/ باطنة" و"مجبرين/ عظام" و"جرائحيين/ جراحين" و"مكحلين/ أطباء العيون" وغيرهم.
بل إن ثمة رواية طريفة عن أن بين العاملين بالمستشفى كان هناك اثنان مهمتهما الكذب، فكان الطبيب إذا أحس أن تأخر زوال المرض الجسدي لبعض مرضاه سببه حزنه وخوفه من هذا المرض، يأمر الرجلان فيتمشيا بين الأسرّة حتى إذا ما بلغا سرير المريض المقصود، تظاهرا بأنهما يتحادثان ولا يشعران أنه يستمع إليهما، فيسأل أحدهما زميله "ما بال هذا المريض؟" فيجيبه الآخر "طمأنني الطبيب أنه يتعافى وعما قريب سيُشفَى ويسترد صحته".. وغالبًا ما كان شفاء هذا المريض يتم بسرعة، وهو موقف يشير لمستوى إدراك طبي متطور للمرض "النفس-جسمي" والعلاج بالإيحاء.
وكانت بالبيمارستان خزانات الأدوية والمفروشات والثياب وأدوات النظافة، حيث كانت نظافة المكان ونزلائه، تراقَب بصرامة من قِبَل "المُحتَسِب" الذي تعينه الدولة لمراقبة تطبيق القوانين.. بل إن بعض الأمراء الذين تسابقوا لتقديم الأوقاف الخيرية للإنفاق على البيمارستان -أسوة بالسلاطين- كان يتنكر ويدخل المستشفى لينظر بنفسه مستوى رعاية العاملين فيه للمرضى.
وكان المريض يتوجه للبيمارستان، فيحل به نزيلًا يُعالَج بالمجان -سواء كان فقيرًا أو حتى غنيًا- ويخضع لفحص الطبيب الذي يصغي لشكواه ثم يسأله عن تفاصيل حياته ونشاطه، من طبيعة عمله ومكان معيشته وعاداته الغذائية، وشكاواه السابقة وأسفاره، وكل ما يمكن أن يفيد الطبيب في استنتاج سبب المرض من نمط حياة المريض.. أما عن العلاج فكان الأطباء يميلون للبدء بـ"العلاج من خلال التغذية" أي التعامل مع الأمراض من خلال النظام الغذائي وتفاعلاته قبل اللجوء للأدوية المركبة، فإن لم يكن ذلك مجديًا لجأوا للدواء، أو للخيارات الأخرى من حَقن أو جراحات حسب ما تتطلبه الحالة، وهو أمر ينم عن تفكير طبي ناضج (قارن ذلك ببعض أطباء عصرنا، الذين يسارعون بتقديم المضاد الحيوي القوي لطفل، بسبب نزلة برد عادية يعالجها معظم الأطباء بأدوية بسيطة!).
وكان في المستشفى صيادلة يقومون بتركيب الأدوية للمرضى حسب أمر الطبيب، ومشرفون على تلقي المريض لدوائه في موعده بالمقدار المحدد، وغيرهم لتبديل وتنظيف ثيابه وفراشه ومساعدته في الاغتسال أو تطهير جروحه لو كان يستشفي من جراحه.
وعندما كان النزيل يُشفى -وعلامة ذلك أن يدخل الحمام ويُخرج فضلات جسده وأن يعتدل لونه وحرارته وأن يسترد قوته البدنية وأن يستطيع أكل وجبة طعام مغذية بغير عناء- كان يتلقى من البيمارستان نفقة وكسوة وطعامًا، ولو كان يحتاج للالتزام بدواء بعد مغادرته المستشفى فقد كان الدواء يُرسَل لمنزله بالمجان.
وإلى جانب المهام العلاجية للبيمارستان المنصوري، فقد كان كذلك بمثابة "كلية للطب"، ففيه قاعات لتعليم الطب بأنواعه، يجلس فيها رؤساء وأساطين المهنة وبين أيديهم الطلاب الذين يتلقون عنهم العلوم، ويشهدون بأنفسهم علاج نزلاء المستشفى، ويتفرعون للتخصصات المختلفة، حتى إذا ما أتم أحدهم دراسته نال "الإجازة" -تصريح العمل- من معلميه في احتفال لائق، فلم تكن ممارسة الطب مسموحاً بها بغير تلك الإجازة.
أي أن سلاطين المماليك -منذ المنصور قلاوون- والقائمين على هذا البيمارستان، قرروا أن يضعوا فيه أرقى ما توارث المسلمون من فنون الطب والعلاج ورعاية المرضى.
رعاية الصحة العامة في القاهرة:
إلى جانب ذلك كانت السلطات صارمة في ما يتعلق بالصحة العامة.. فالقوانين كانت تنص على اتساع معين للطرق، بحيث تكون حسنة التهوية، وارتفاع معين للبيوت كيلا تمنع وصول الشمس والهواء للشارع والجيران، وكان يُحظَر أن تقام محال أو مصانع تستخدم الكيماويات -كالمدابغ والمصابغ- إلى جوار مناطق سكنية أو محال للأطعمة.
والمحتسب كان يطوف الشوارع والأسواق، فيتأكد من سلامة الأطعمة والأشربة عند الجزارين والبقالين والمطاعم وباعة الخضر والفاكهة والمخابز، التي كان يؤمر العاملون فيها أن يكونوا حليقي اللحى والذراعين، كيلا يسقط شعر منهم في العجين، ويدخل الحمامات الشعبية فيراقب نظافتها ونقاء مائها واعتدال جوها ونظافة مناشفها، بل إنه كان يتأكد من خشونة أرضياتها كيلا ينزلق المستحمون!
وكان يراقب السقائين -باعة الماء- وينظر في أوعيتهم وقِرَبهم ويتأكد من نظافتها وسلامة مائها، هذا علمًا بأن السقاء كان لا يُسمَح له بمزاولة مهنته، إلا بعد تدريب صارم على يد كبير طائفته الحرفية.
وكان كذلك يراقب المدارس ومكاتب التعليم، ليتأكد من ملاءمة جوها للأطفال، ويتجول في الأزقة والشوارع ليتأكد من نظافتها وعدم تكوّم القمامة فيها.
وكان لكل ما يتعلق بصحة الإنسان قوانين تنظمه، كالقوابل -المولدات- والمرضعات اللاتي كن يخضعن لنظام يضمن التزامهن بالنظافة الشخصية، بل والتزام المرضعة نظامًا غذائيًا صحيًا كيلا يفسد لبنها مرض فيؤذي الرضيع.
ولكن التحدي الحقيقي الذي كان المماليك يواجهونه، تمثل في "الطاعون"، وكُتب التاريخ المملوكي تزدحم بأخبار الطواعين المدمرة، التي كانت تصل ضراوتها لأن يذكر المؤرخ أن "مات الرجل فحمل جثمانه أربعة مات منهم اثنان قبل بلوغ قبره فلما قبروه لم يبق حيًا ممن حمله أحد".. وهي مبالغة بالتأكيد لكنها تنم عن فداحة الكارثة.
صحيح أن تعامل السلطة كان أحيانًا ما يشوبه بعض "التفسير الغيبي للكارثة" كالأشرف برسباي، الذي قال له بعض الفقهاء إن الطاعون انتشر بسبب خروج النساء وتبرجهن فأمرهن بعدم الخروج، ولكن هذا لم يكن يمنع أصحاب الأمر من التعامل بحزم مع الموقف، فكانوا يسارعون بنقل الجثث المصابة بالمرض خارج العمران، ويشددون رقابتهم على ضوابط النظافة والصحة العامة، لدرجة أن الأمير يشبك الدوادار حين داهم الطاعون مصر في عصر السلطان قايتباي، كان يتطوع بنفسه لتغسيل ونقل ودفن الجثامين بعيدًا عن الناس كيلا يزداد انتشار المرض.
هذا ما كانت عليه القاهرة قبيل ابتلائها بغزو العثمانيين.. فما الذي صارت إليه بعد أن جثموا عليها بسيوفهم؟
الوضع الصحي الكارثي في العصر العثماني
بدايةً فإن الإدارة العثمانية لم تكن تضع في حسبانها "الصحة العامة".. فالمحتل العثماني كان يكتفي بتحصين الولاية وشحنها بالجند وتعيين الجهاز الإداري -خاصة المالي- وتلقي الضرائب كل موسم.. أما مطلب الصحة فكان العثمانيون يعتبرون أنه "مسألة خاصة بالأهالي يديرونها بأنفسهم".. أي أن العثماني كأنما كان يقول للمرء من رعيته: "مشكلاتك الصحية لا تخصني.. سأحميك مقابل الضرائب لكن لا تطلب مني أن أرعاك صحيًا، وعلى من يريد إقامة مستشفى أن ينفق على ذلك بنفسه!" وهو منطق يليق بـ"بلطجي" أو "قبضاي" أكثر مما يليق بدولة محترمة!.
وللأمانة فإن هذا لا يعني عدم وجود مستشفيات، بل كان هناك بعض المشافي، لكن إقامتها ورعايتها والإنفاق عليها كان رهنا بـ"أهل الخير" سواء كانوا من أعيان الرعية أو تصادف وجاء والٍ يحب الخير ويتقي الله في الأمانة، فيقرر أن يوقف وقفًا لمشفى..
وأما البيمارستان المنصوري، فقد استمرت وظيفته كما كانت "بالقصور الذاتي" خلال عهد خاير بك/خاين بك"أول والي عثماني وبعض من خلفوه، لكنه مع الوقت أصيب بما أصاب مصر من انحدار وانحطاط، حتى ما أتت نهاية القرن الثامن عشر إلا وكان قد أصبح مجرد مبنى كئيب مشعث، لا يرعى من المرضى سوى المصابين بالأمراض العقلية، وهم عرايا مقيدون بالسلاسل، ومعهم ممرضون وصفهم البعض بأنهم "كالجلادين" يحملون الهراوات ويطعمونهم قسرًا، وتسوء أحوالهم إلى حد استجداء بعضهم المساعدة من الزوار! وأصبح البيمارستان المنصوري مرتبطًا بالمرض العقلي أو "المجانين" -حسب التعبير الشعبي (الذي لا نقره بالتأكيد) حتى أصبحت كلمة "المُرُستان" المشتقة من "البيمارستان" تعني "مستشفى الأمراض العقلية" في اللهجة المصرية.
بالمناسبة، بينما كان هذا حال المستشفى في مصر، كان العثمانيون يقيمون المستشفيات في مدن الأناضول وعلى رأسها اسطنبول، ويعتنون بها ويهتمون بالصحة العامة في هذه المدن.. وهو ما يؤكد طبيعتها كدولة "تأخذ ولا تعطي".
وما زاد الطين بلة، هو التراجع الفاحش للحركة العلمية في مصر، بحكم إهمال العثمانيين لهذا المطلب كذلك -فانتشرت الخرافات
وطرق الدجل والشعوذة، وصار المريض لا يلجأ للطبيب بل يبحث عن "صاحب كرامات" يشفيه أو "ساحر" يعالجه بتميمة أو "حجاب"(ورقة بها طلاسم تعلق في العنق)، وبعد أن كانت مزاولة الطب تتطلب "إجازة" بذلك من أهل العلم، صار "حلاقو الصحة" يتجولون في القرى والشوارع، ويدعون العلم ويمارسون نوعًا من الطب الشعبي البدائي أكثره غير مجد، بل وكثيرًا ما كان يؤدي لنتائج كارثية (استمرت تلك المهنة للأسف بعد زوال الحكم العثماني بفترة كبيرة، وكانت من أسباب إصابة الأديب والمفكر المصري طه حسين بالعمى في طفولته..
بل إن طقوس الشعوذة كانت تمارس في البيمارستان المنصوري نفسه! فكانت النسوة يأتين بأطفالهن حيث قبر المنصور ويطفن به ويمارسن بعض الطقوس من وثب سبع مرات، أو إجبار للطفل على لعق حجارة القبر وما إلى ذلك، طلبًا للشفاء والصحة!.
وعندما كانت الطواعين تداهم القاهرة، كان الولاة يكتفون بالمناداة باستغفار الله والحرص على النظافة، ويسمحون بدفن جثث المطعونين في المدينة رغم خطورة ذلك، بينما هم يتلمظون شوقًا لما يمكن أن يجنوه من ثروات بسبب وضع أيديهم على تركات المتوفين، وهي ممارسة بلغت حد الاعتياد في أوبئة العصر العثماني.
هكذا أصبح مصير البيمارستان المنصوري، وهكذا كانت نظرة الدولة العثمانية للصحة العامة باعتبارها "رفاهية زائدة" لا يستحقها أهالي الولايات، بينما تحظى بها عاصمة الباب العالي والمدن المحظوظة من حولها!.
وبعد أن كانت مصر تسخر من "الفرنجة" وممارساتهم من دجل وشعوذة لعلاج الأمراض، جاء يوم ذُهِلَ فيه هؤلاء الفرنجة عندما جاءوا مع المحتل الفرنسي في حملة نابليون من فرط انتشار الخرافات والشعوذة طلبًا للشفاء في بلد كانوا يقرأون أنه كان يومًا درة الشرق!.
وكان على مصر أن تنتظر عهد محمد علي باشا، الذي أدرك المسؤولية ببعد نظره، فبذل قصارى جهده لتكون لمصر مؤسسة صحية محترمة.
مستوى تقدم أو تخلف مؤسسة حاكمة، له معايير كثيرة من أهمها -إن لم يكن هو الأهم- معيار الصحة، فصحيح أن "الرعاية الصحية" ليست "مشروعًا مربحًا على المدى القريب" لكنها شديدة الأهمية على المدى البعيد، باعتبار أن الفرد جزء من طاقة المجتمع!
لكن الإدارة العثمانية كانت مصابة بمزيج من "قصر النظر وضيق الأفق" من ناحية، و"الأنانية المفرطة" من ناحية أخرى، فهي تنظر للرعية باعتبار أن أفرادها "عبيد للسلطان" و"هم كثيرون إن هلك بعضهم لا بأس فيوجد غيرهم".
بالتالي فرعاية صحة الناس في الولايات ليست من أولويات تلك الإدارة.. بل لعل المحتل العثماني كان متعمدًا لذلك، ليس بخلًا بالنفقات فحسب، وإنما ليضمن أنه يحكم شعوبًا منشغلة بأمراض جسدها وعقلها، فلا يخشى يومًا أن تفيق فتنفجر في وجهه!
وإن المرء ليندهش لحقيقة أن بيننا من يشتاقون لمثل تلك الأيام!