لم ننتظر طويلا بعد أن ألغت طهران كل القيود على أنشطة تخصيب اليورانيوم، وبعد نفس طويل جدا من الأوروبيين جعل طهران تتمادى جدا، وجولات المفاوضات التي كانت تقابل بتشدد كبير منها، لم يبق أمامهم خيارات كثيرة.

نقف اليوم أمام إعلان فرنسا وبريطانيا وألمانيا تفعيل آلية فض النزاع النووي مع إيران، أو ما يقال عنه "الخلاف" المنصوص عليها في الاتفاق النووي بينهم وبين إيران، يبدو أن اصطفافهم إلى جانبها لم يزدهم إلا ذلا، ولم تترك مجالا للآخرين ليتمكنوا من الوقوف إلى جانبها، لا نزال في أول شهور هذه العام ولم تستطيع إيران إلا جعله حافلا بالإرهاب.

هدفهم هذه المرة التحاور كما يقولون معها بشأن ما ينبغي أن تفعله للعدول عن قرارات اتخذتها، وليس إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة عليها، السناتور الجمهوري الأميركي البارز تيد كروز تصدر المشهد أكثر من مرة في 2018 و 2019  مناشدا المجتمع الدولي مع انعقاد الدورة الجديدة للأمم المتحدة الإلغاء الفعلي للقرار رقم 2231 الخاص بالمصادقة على الاتفاق النووي.

تنص هذه الآلية الواردة في ملاحق الاتفاق تحديدا الملحق الرابع، بالسماح لأي طرف موقع بأن يطلق سلسلة إجراءات لإثبات انتهاك الطرف الآخر له، بالتالي يعود الوضع لما كان عليه قبل التوصل للاتفاق، وبشكل سلس ستستأنف عملية فرض العقوبات الدولية وسيفتح الباب أمام إنهاء كافة القيود الأمنية المفروضة على أنشطة التسلح الإيرانية وعلى تطوير طهران الصواريخ البالستية، وهنا يتحقق الهدف "إبطاء وتيرة البرنامج النووي الإيراني".

المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي رد مباشرة: طهران ستردّ بجدية وحزم على أي إجراء مدمّر من قبل أطراف الاتفاق، ماذا يقصد بالمدمر؟، إيران تفصل الكلام على مقاسها دوما، وما يعتبر إجراءات للضغط الدبلوماسي يبدو لها ربما مدمرا، حان الوقت لتحرك مختلف من الاتحاد الأوروبي الذي يبدو وحيدا يدافع عن إيران التي لا تراه أمامها، حيث حاصرته طهران بخطواتها الأولى منذ مايو 2019 حين  أوقفت بيع المخزون الفائض الذي تنتجه من اليورانيوم المخصب والماء الثقيل لدول أخرى فيما بدأت المرحلة الثانية في يوليو 2019، بإنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة أربعة فاصل خمسة في المائة على الأقل، ورفع مخزون الماء الثقيل، متخطية المستويات التي يحظرها الاتفاق، المرحلة الثالثة كانت موجعة للاتحاد الأوروبي في  السادس سبتمبر 2019  بإعلان روحاني بدء أبحاث لتطوير أنواع مختلفة من أجهزة الطرد المركزي، وأجهزة طرد مركزي جديدة، إضافة إلى كل ما يلزم لتخصيب اليورانيوم بوتيرة أسرع، ليخرج القطاعين المصرفي والنفطي من عزلتها بعد العقوبات الأميركية.

تحققت جميع الشروط الواجبة لتنفيذ اتفاق فض النزاع، لكنه هو أيضا يحمل الكثير من المماطلة التي ربما تمنح طهران وقتا إضافيا للتفكير في أزمات جديدة تقحم بها المنطقة لتثبت أنها هنا، و قادرة على ابتزاز المجتمع الدولي، يعتقدون أنهم يقيمون حدود العدل، حين يمنحون هذه العملية خمسة وستين يوما قابلة للتمديد، ما يعني أننا سننتظر النتائج لتظهر صيف هذه العام، نعم لا تعلقوا آمالكم كثيرا، ستنتظرون لأشهر بكل الأحوال.

نحن أمام لجنة مشتركة، مكونة من إيران وروسيا والصين وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي يملكون  خمسة عشر يوما لحل المشكلة وهو ما أستبعده مطلقا، وستحال أوراق اجتماعاتهم وتصريحاتهم ومواقفهم بطبيعة الحال طبقا للبند الثاني إلى وزراء خارجية الدول المشاركة في الاتفاق وسيكون أمامهم أيضا خمسة عشر يوما لحل المشكلة، يبدو أننا أمام شهر  سيشهد اجتماعات كثيرة دون أي حلول.

النقطة التي ربما تقلب المشهد  بعد شهر من الآن، هي أن عدم اقتناع الطرف الشاكي بحسن نوايا طهران وأن ذلك يشكل عدم التزام كبير بالاتفاق، يمكنه من  إنهاء التزاماته بموجب هذا الاتفاق كليا أو جزئي وهو ما نترقب منذ عامين حدوثه، هل سيتعلم الاتحاد الأوروبي الدرس؟ هل سيشهر سيفه في وجه إيران بقوة؟ دون أن تقول له طهران كعادتها، "الدول الأوروبية ليست في موقع يؤهلها لتوجيه النقد لنا".

جملة قيلت ضمن وساطة من بين وساطات عديدة أضاعت الكثير من الوقت، فماذا يعني أن يجلس وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في العاشر من حزيران 2019 أمام روحاني متوسطا ليخفف التوتر بين واشنطن وطهران ويقول له الرئيس الإيراني أمام وسائل الإعلام "الدول الأوروبية ليست في موقع يؤهلها لتوجيه النقد إلى إيران"، ويصاب ماس بالحرج ويمسك العصا من المنتصف قائلا: سوف نلتزم بخطة العمل الشاملة المشتركة، كما نريد تنفيذ التزاماتنا من هذه الخطة. لن نتمكن من تحقيق أعجوبة من خلال ذلك لكن سنبذل كامل الجهود لتجنب انهيار الاتفاق.

هذا هو "ستايل" إيران أمام الوساطات، أحرجك في منزلي وأمام وسائل إعلامي وأقول لك رغم أنك تقف إلى جانبي بعلاقة تاريخية طويلة، وضغطت كثيرا من أجل أن تستمر معي وتوسع شراكتنا الاقتصادية منذ توقيع اتفاق 2015 حتى أفقدك ثقة الخليج والوطن العربي، وأقول لك ببساطة أنك لا تعني لي شيئا.

طهران تقدم باستمرار خطابا عنجهيا مستفزا للجميع بعيدا عن الدبلوماسية تماما، وساطات كثيرة أخرى بينها الوساطات العراقية والعمانية واليابانية، وكأنها جاءت من باب رفع العتب، إيران أعادتهم جميعا خالي الوفاض، ضيوف بلا أدنى قيمة بالنسبة لها، وسلطاتهم وكلامهم جميعا وكل ما يحملون معهم من سلام في المنطقة لا يعنيها، الشارع هناك لا يهمه كل هذه الديكورات أعزائي.

ما يهمنا الآن مجلس الأمن الذي  سيحضرنا أيضا رغم حضوره في جولات سابقة من هذه السباق الماراثوني بين كل هذه الأطراف المتنازعة بين شاكي ومشتكى عليه ووسطاء لا أحد يرغب في سماعهم، أو هم أنفسهم لا يجيدون استخدام أدوات الضغط الدبلوماسي، وبمجرد أن يخطر الطرف الشاكي مجلس الأمن فإنه يتعين على المجلس أن يصوت في غضون ثلاثين يوما على قرار  بشأن العقوبات على إيران، إذا بعد شهرين من كل هذه المفاوضات ربما نشهد إعادة فرض العقوبات التي وردت في كل قرارات الأمم المتحدة السابقة وربما لا، لا تستبعدوا أن تصعد روسيا أو الصين وتفاجئنا بفيتو أو وساطة جديدة تطيل أمد هذا الإرهاب الذي نعيشه يوما بعد يوم.