هي مجرد ملاحظات تتعلق باقتصاد السياسية وسياسية الاقتصاد.
قرأت أن تركيا تعتبر أن ليبيا جارتها عبر المتوسط.
لكن ما لفت انتباهي هو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اكتشف وجود هذه الجارة فجأة، فسارع لإرسال طائرات محمّلة بالمقاتلين ليزيدوا الطين بلّة عند الشواطئ الجنوبية للمتوسط.
البعض يعتبر أن هذه التحركات التركية تتعلق بطموحات أردوغان ”السلطانية“ للتوسع في عالمنا العربي.
لكن ما يُثير ريبتي هو تزامن التعاطف الأردوغاني مع الميليشيات المتناحرة في ليبيا مع إعلان نية إسرائيل وقبرص واليونان مد خط غاز من خاصرة المتوسط الشرقية نحو أوروبا.
مثير للريبة عندما نعلم أن خط الغاز هذا سيمر حكماً في منطقة بحرية قام بترسيمها أردوغان لصالحه في اتفاقه مع الليبيين.
يُهاجم أردوغان أيضا المياه الاقتصادية القبرصية عرقلة وتنقيباً، من منطلق احتلال بلاده لجزء من قبرص ويقول عنها امتدادا لتركيا في المتوسط.
وفي هذا الموضوع لا يمكن التغاضي عن مشروع TurkStream والذي تم تدشينه رسميا مطلع هذا الشهر، وهو خط أنابيب ينقل الغاز الطبيعي الروسي نحو جنوب أوروبا عبر تركيا.
وبالتالي فإن أي توجه لاحق لإيصال الغاز نحو أوروبا بعيدا عن نفوذ روسيا وتركيا سيكون بمثابة ناقوس خطر لأردوغان وحليفته موسكو.
مثير للريبة بالفعل عندما نعلم أن روسيا التي يتحالف معها أردوغان حالياً، تؤمّن أكثر من ثُلث احتياج القارة الأوروبية من الغاز، وتحديداً فهي تزوّد أوروبا بـ ٣٥٪ من مجمل الغاز الذي تستورده القارة العجوز.
هذا المشروع، الممتد عبر البحر الأسود نحو أنقرة هو ما يدفع بأردوغان لقطع الطريق عبر مياه المتوسط لأي مشروع موازي. وهو المشروع الذي لأجله اشترت تركيا دفاعات صاروخية روسية حديثة التقنية في العام 2019. لذلك يمكن فهم تصرّف إردوغان إزاء ليبيا واستئساده بوجه قبرص من منطلق عدم رغبته بخسارة صفقة مربحة له.
ويأتي مشروع TurkStream في إطار جهود الروس لخفض الشحنات عبر أوكرانيا الموالية لواشنطن، غريمة موسكو. وهو جزء من شبكة خطوط غاز موازية تقوم بها روسيا عبر عدة مشاريع في الشرق الأوسط من إيران للعراق لسوريا ومع تركيا، بهدف تعزيز نفوذها في المنطقة والحفاظ على دورها كمورد رئيسي للطاقة إلى أوروبا.
من هذا المنطلق نستطيع فهم توسع روسيا في مجال الطاقة تنقيباً ولوجستياً في دول مثل لبنان حيث تُشارك في تحالف للتنقيب عن النفط في المياه اللبنانية إضافة لصيانة منشآت الخزانات في منطقة طرابلس؛ أو في سوريا، حليفة موسكو الأولى بين دول المتوسط؛ أو في العراق ومن ضمنها إقليم كردستان حيث فازت بمناقصات النفط والغاز، أو لناحية حلفها مع إيران.
ومن هنا نستطيع أن نفهم لماذا قام بوتين بزيارة سوريا عقب اغتيال قاسم سليماني في العراق للتهدئة، في ظل قتال روسي-أميركي بارد للسيطرة على الخط الساحلي لشرق البحر الأبيض المتوسط. فهذه الزيارة لم تكن فقط للإشراف على المرحلة الأخيرة فيما يتعلق بمعركة إدلب، بل للتهدئة في ظل التوسع شرقاً؛ فمشاريع روسيا الاقتصادية أهم بكثير من عمليات الانتقام التي قد يشنها البعض في هذه المرحلة.
مؤخراً، عرضت روسيا عن طريق سفيرها في بيروت ألكساندر زاسيبكين مساعدة لبنان في الأمور المتعلقة بقطاع الطاقة والكهرباء كما دعا زاسيبكين يوم ١٤ يناير/كانون ثاني إلى إنهاء الوجود الأميركي في العراق وسوريا.
قبلها ببضعة أيام، وصف زاسبكين الوجود الأميركي في المنطقة بأنه "غير شرعي ويجب أن ينتهي على الفور“.
كانت هذه رسالة واضحة من موسكو لواشنطن، التي كانت قد طلبت من قبرص إعطائها قاعدة عسكرية مؤقتة في الجزيرة، مما دفع بموسكو أيضا لإرسال فرقاطة عسكرية جديدة إلى السواحل السورية في وقت سابق من هذا الشهر.
كما لم تتوقف روسيا عن إرسال إشارات للبنان عن استعدادها لتمويله بالسلاح، وهو ما دفع بالولايات المتحدة منذ شهرين للمسارعة في إعادة تفعيل المساعدات الهزيلة للجيش اللبناني، والتي كانت قد جمّدتها قبل فترة.
هناك لعبة ضغط جديدة تتراكم على خاصرة المتوسط عند الحد الشرقي منه. لكن، عندما يتم ربط اقتصاد السياسية وسياسية الاقتصاد من هذا المنطلق يكن الاحتمال الأكبر واضحاً، ومثيراً للريبة.