المنظمات الإرهابية لا تلتزم بقانون أو عرف أو قيم أخلاقية أو دينية، على الرغم من تشدقها بالدين لتبرير أفعالها الإجرامية، لذلك نجدها تمضي في الطريق الذي رسمه قادتها لها إلى النهاية مهما كان زائغا وخطيرا ودمويا وتدميريا، لها ولمن تصطدم به في طريقها.
وبخلاف المنظمات الإرهابية، تلتزم الدولة بقوانين ومواثيق وأعراف دولية وهي مسؤولة أمام المجتمع الدولي عن إجراءاتها وأفعالها وعن كل عمل تقوم به، لأنها عضو في الأمم المتحدة وعدد من المنظمات والهيئات الدولية المهمة الأخرى، القانونية والاقتصادية والسياسية والثقافية، ولديها مصالح وعليها التزامات، وتقع عليها مسؤولية تصرف أي جهة مرتبطة بها.
وإن حصل أي تجاوز من الدولة أو أي مؤسسة من مؤسساتها على القانون الدولي، أو الوطني لدولة أخرى، فإن الدولة المتجاوزة تُحاسَب وفق القانون وتدفع الثمن، وهذا ما حصل عندما اشتكت إيران على الولايات المتحدة في المحاكم الأميركية نفسها حول حجز واشنطن أموالها، وربحت الدعوى، واضطرت الإدارة الأميركية في عهد الرئيس أوباما إلى إطلاق الأموال الإيرانية البالغة 150 مليار دولار، مع الفوائد المتراكمة عليها، وهذا ما صرح به جون كيري، وزير الخارجية في إدارة أوباما.
حكومة أعظم دولة في العالم التزمت بقانونها وامتثلت لأمر المحكمة وأطلقت أموال إيران، على الرغم من العداء الواضح بين البلدين.
أما المنظمة الإرهابية فهي جماعة خارجة على القانون أصلا، فهي أساسا تستخدم العنف ضد خصومها وليس لديها طريق آخر غير القتل والتخريب.
وعندما يستحيل إيقافها عند حدها أو محاسبتُها عبر الطرق السلمية كونها تعمل في السر، فإن السبيل الوحيد المتبقي للتعامل معها هو محاصرتها ماليا وسياسيا ولوجستيا ومحاربتها عسكريا والقضاء عليها بالقوة.
الأمور واضحة حتى الآن، فلابد من محاربة المنظمات الإرهابية بكل الوسائل، المالية والثقافية والإعلامية والعسكرية للقضاء عليها لأنها تسعى للاعتداء على الناس والممتلكات وزعزعة استقرار الدول المستقرة وتخريبها تحت ذرائع أيديولوجية أو دينية واهية وغير مقنعة.
فالأيديولوجيات أفكار وضعها بشر كي يستأنس بها الناس ويناقشوها ويبينوا محاسنها ومساوئها، ويشخصوا الأخطاء الواردة فيها، إن وجدت.
لا توجد أيديولوجية مكتملة وصالحة لكل زمان ومكان، فهذا أمر مستحيل، فكل شيء متغير في الكون، ولو نظرنا إلى العالم قبل عشر سنوات فقط لوجدناه مختلفا كثيرا عن عالمنا الحالي.
وسائل الاتصالات والتواصل الاجتماعي لم تكن منتشرة ومستخدمة كما هي الآن، وقد أصبحت تستخدم ليس فقط للترفيه والإعلام، بل للتجارة إذ تحولت الكثير من النشاطات الاقتصادية إلى الحيز السايبري وبدأ الناس يتسوقون إلكترونيا وأصبحت الشركات والمؤسسات، بما في ذلك الحكومات، تنجز أعمالها إلكترونيا وهذا لم يكن متاحا في الماضي القريب.
إن كان هناك من يؤمن بأيديولوجية معينة فعليه أن يسلك سلوكا قانونيا وعقلانيا سلميا لتطبيقها، فليس من العدل قسر الناس على الإيمان بأفكار غير مقتنعين بها، بل لم يعد هذا الأمر ممكنا.
أما الأديان السماوية فكلها وجدت لإشاعة العدل والسلم والأمن والطمأنينة والرخاء بين الناس، وليس لتبرير القتل والاعتداء كما تفعل الجماعات الإرهابية والجهات التي ترعاها.
مقاصد الشرائع السماوية معروفة وكل من يريد أن يحرّفها عن طبيعتها الإنسانية السلمية إنما يقف على النقيض منها.
سبل التعامل مع الجماعات الإرهابية معروفة وواضحة، وكل الدول تعمل على إعاقة عملها عبر جمع المعلومات عنها ثم القضاء عليها بقوة السلاح، فلا سبيل لمعالجة مشكلتها غير القضاء عليها أمنيا وعسكريا ابتداءً، ثم معالجة أسباب نشوئها وكيف انتشرت أفكارها ومن الذي روج لها ولماذا اقتنع بعض الناس بأفكارها وانخرط في صفوفها.
لكن المشكلة المعقدة تحصل عندما تتصرف دولة معترف بها دوليا كتصرفات التنظيمات الإرهابية، فتنشئ جماعات مسلحة خارج حدودها تستخدمها للتمدد على حساب الدول الأخرى، أو نشر نفوذها وتنفيذ سياساتها غير المشروعة، كما تفعل إيران منذ عام 1979 حتى الآن.
الجماعات المسلحة التي أنشأتها إيران أو دعمتها في الدول الأخرى تقتل وتختطف وتنهب الأموال وتستولي على الممتلكات العامة والخاصة وتعتدي على الناس الآمنين، وقد سعت وتسعى إلى زعزعة استقرار تلك الدول، كالعراق ولبنان واليمن وسوريا، وهي لا تكتفي بالمساحة الجغرافية التي تنشط بها حاليا، بل تسعى للتمدد إلى دول أخرى إن تمكنت من ذلك، فطموح قادة إيران لا حدود له على ما يبدو.
هناك منظمات إرهابية غير مرتبطة بدول، وهذه يمكن ملاحقتها عبر الجهد الدولي المنظم لمحاصرتها ماليا ولوجستيا وعسكريا، وهذا ممكن لأنها ضعيفة بسبب افتقارها إلى مصادر القوة الضرورية التي تتوفر للدولة عادة، كالموقع الاستراتيجي الآمن، والأسلحة المتطورة والثقيلة والتمويل المستمر، والمعلومات المهمة التي توفرها أجهزة المخابرات وجمع المعلومات عبر الأقمار الصناعية.
بينما الجماعة المسلحة المرتبطة بدولة يتوفر لها كل هذا وأكثر، وهي في الحقيقة ذراع عسكري لتلك الدولة، لأنها تأتمر بأمر قادتها وتعمل نيابة عنها، لكنها في الوقت نفسه غير مسؤولة (رسميا) عن أفعالها، إذ تتملص من أي مسؤولية عن أفعال الجماعات المسلحة المرتبطة بها.
بعض المليشيات التي تأسست لأسباب مشروعة، كمحاربة الإرهاب أو الاحتلال، أصبحت تتصرف كمنظمات إرهابية لأنها تختطف المدنيين من اجل الحصول على المال، وتقتل معارضيها لأسباب سياسية وأيديولوجية، وتنهب المال العام والخاص وتخرب مؤسسات الدولة.
هذا هو الوضع السائد الآن في الدول التي تنشط فيها ميليشيات إيران، والتي أصبحت ضعيفة وهزيلة وشعوبها خائفة ومسلوبة الإرادة، بل أصبحت هذه الجماعات المسلحة تنفذ هجمات ضد دول أخرى منطلقة من أراضي الدول التي تنشط فيها، أما حكومات تلك الدول فأصبحت أدوات طيعة بيد قادة إيران.
في العراق مثلا، هناك احتجاجات شعبية عارمة منذ أربعة أشهر في كل أنحاء البلد تطالب بإصلاح النظام السياسي والقضاء على الفساد، لكن الجماعات المسلحة الحاكمة لم تستجب لها بسبب شعورها بالقوة نتيجة دعم إيران لها، ولولا الدعم الإيراني، لكانت قد استجابت لمطالب المحتجين منذ الأسبوع الأول لها.
للأسف لا توجد حتى الآن سياسة دولية متماسكة للتعامل مع نشاطات إيران المزعزِعة لاستقرار دول الشرق الأوسط، وكل ما حصل حتى الآن هو عقوبات اقتصادية أميركية لم تمنع إيران من متابعة نشاطاتها المحرمة دوليا.
وعلى الرغم من أن العقوبات مؤثرة، لكن إيران، وعبر استخدامها الأنظمة المالية والاقتصادية والسياسية للدول التي تسير في فلكها، تمكنت من التغلب، ولو جزئيا، على العقوبات الأميركية.
الموقف الأوربي تجاه إيران مازال ضعيفا، وربما انتهازيا، لأن أوربا تحاول أن تستفيد اقتصاديا من التعامل مع إيران، ولا تكترث لزعزعة استقرار المنطقة والأخطار البعيدة الأمد الناتجة من نشاطات إيران التخريبية.
أوروبا الغربية أقرب إلى الشرق الأوسط جغرافيا من الأميريكيتين والهند والصين وجنوب شرق آسيا وأستراليا، وكان يجب أن تكون لها سياسة رادعة لنشاطات إيران، أولا كي تحمي نفسها من تبعات الإرهاب وانعدام الاستقرار، وثانيا كي ترسخ مبادئ القانون الدولي والسلام والاستقرار واحترام سيادة الدول الأخرى في المنطقة، باعتبارها السبيل الوحيد لتقدم البشرية جمعاء.
من الضروري أن يتخذ المجتمع الدولي ككل موقفا حازما من النشاطات غير القانونية، والمزعزعة لاستقرار الدول المستقلة، التي تمارسها إيران منذ عام 1979 حتى الآن.
لكن هذا لن يحصل إن لم تدرك دول الشرق الأوسط حجم الخطر الإيراني، وتنسق فيما بينها أولا، ثم مع دول العالم المؤثرة الأخرى، كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين واليابان، كي تجبر إيران على الالتزام بالقانون الدولي والعمل داخل حدودها، كما تفعل كل دول العالم، الصغيرة منها والكبيرة.
لقد أصبح ضروريا للسلم والاستقرار الدوليين، أن يتخلى قادة إيران عن مشاريعهم التوسعية، وتدخلهم في شؤون الدول الأخرى، التي حولت الشرق الأوسط إلى منطقة قلقة، وأشاعت الفوضى والفقر والجهل في العديد من دولها.