عندما قال الخميني مقولته الشهيرة، نهاية الحرب العراقية الإيرانية: "ويل لي. أنا أتجرع كأس السم... كم أشعر بالخجل..." كان تعبيراً عميقاً في تضمين عمق ما يكتنزه ضمير المتألمين في لحظة الهزيمة، كانت تلك حقبة من تاريخ الثورة الإسلامية في إيران، لا يود حكامها تذكرها، كما لا يودون عودتها بأي صورة كانت.
الشعور بالمرارة بعد مقتل قاسم سليماني، يبدو تكراراً لشرب السم من الكأس ذاتها، التي شرب منها مؤسس الدولة الإيرانية بنسختها الإسلامية، ومع تلك المرارة، من الواضح أن الإيرانيين سقطوا في ما لم يحسبوا له، بإسقاطهم الطائرة الأوكرانية الذي تزامن مع إطلاقهم صواريخ الانتقام صوب القواعد الأميركية في الأراضي العراقية.
أحداث دراماتيكية شهدها مطلع 2020 كتلك الأحداث التي أسست لعقد الجحيم العربي في 2011، غير أن هذا العقد بدأ من إيران التي كانت من مراكز التأثير المباشر في اضطرابات العديد من العواصم العربية، ولا يمكن إنكار حقيقة النفوذ الإيراني، الذي وصل إلى البحر المتوسط، ذلك التمدد السياسي وإن ارتبط عقائدياً غير أنه شكل حزاماً نارياً أحرق الشرق الأوسط.
الإيرانيون والعالم مع مقتل قاسم سليماني، دخلوا مرحلة مختلفة بكل ما يحتمله الاختلاف، عما كان قبلها، وما كان مجرد إشارات تحول لمفصل سياسي، فالإشارات التي كانت ترسلها واشنطن منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي (مايو 2018) مثلت المنعطف الذي شكل هذا الواقع، بكل ما فيه من تداخلات وإن كانت حادة وتبدو غامضة، في ما يمكن أن تؤدي لمسارات، وعليه فإن البناء وفقا لقراءات ماضية، لن يؤدي لنتائج واقعية.
الصفقة النووية التي أبرمها الرئيس السابق باراك أوباما مع النظام الإيراني، باتت عمليا في مهب الريح، فتداعيات تصفية سليماني وحادثة الطائرة الأوكرانية، رغم أنها حوادث تراكمية، فإنها كذلك كهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، نقطة تحول ستغير المشهد القائم منذ أربعة عقود، بين النظام الإيراني والعالم، أما كيف سيكون المشهد، فهذا ما ستفرزه التفاعلات مع المستجدات.
من الخطأ اعتبار حادثة لوكربي كحادثة إسقاط الحرس الثوري الإيراني للطائرة الأوكرانية، كما أنه من الخطأ كذلك إغفال الارتدادات التي ستكون مختلفة، بين ما كان مع نظام معمر القذافي في ليبيا، وما ستؤول إليه الضغوط على النظام الإيراني، الذي كان حتى ما قبل الصفقة النووية، يقدم نفسه لاعباً سياسياً يمكنه المساهمة في استقرار الشرق الأوسط، غير أن ضغط الرئيس الأميركي دونالد ترامب على نظام إيران، أدى إلى (تكسر) في محورها الذي صنعته في 40 عاما دفعة واحدة، وخلال أيام قليلة.
الضغط الأميركي الأحادي، أفقد الإيرانيين توازنهم، رغم أنهم يجيدون حرب الأعصاب، غير أن الضربة التي صنعت التحول بقتل سليماني، وتحشيدهم الشعبي للانتقام، دفعاهم لارتكاب الخطأ الجسيم، وبإسقاط الطائرة الأوكرانية طفا على السطح السؤال الأصعب، على العواصم التي كانت متمسكة بالاتفاق النووي عن أهلية النظام الإيراني على امتلاك السلاح النووي.
منذ أن أسقط الجيش الأميركي، القنبلة النووية على هيروشيما، في الحرب العالمية الثانية في 1945 وهناك نقاشات لم تتوقف بشأن أخلاقيات الدول والأنظمة التي تمتلك سلاحاً نووياً، فكيف سيكون حال إيران، التي فقدت الاتزان وضربت طائرة مدنية، انطلقت من مطار طهران المدني، في رحلة مجدولة لا تمتلك الاشتراطات الكاملة لتمتلك سلاحاً نووياً بقدر خطير، وسيكون ذلك السلاح مهدداً للمنطقة والعالم، وهو ما ينسف كل الادعاءات التي صنعت الاتفاق النووي.
النظام الإيراني سيكرر ما فعله الخميني مجبراً، عندما تجرَّع كأس السم ليقبل بالهزيمة من العراق، ليس أمام المجتمع الدولي غير الانسحاب من بقايا الصفقة النووية (الخاطئة) وإجبار النظام الإيراني على تغيير سلوكه، ليتخلى عن الثورة وتصديرها، ويتحول لنظام سياسي قادر على تحمل مسؤولياته تجاه شعبه وشعوب المنطقة من حوله، التي عانت طويلاً بسبب مغامرات نظام راديكالي متشدد.