لا يهم من سيأتي لرئاسة الحكومة في لبنان؛ لأنه سيرأس حكومة قصيرة العهد. هكذا أراها. حكومة انتقالية تحاول تهدئة الشارع ليأخذ هذا الوطن نفساً واستراحة قصيرة قبل أن يُعاود شعبه وسياسيون حرقه.
على ما يبدو، لم يرتح لبنان منذ أن استوطن البشر الأرض. فأرزه تم قطعه لبناء السفن، وتم احتلال أرضه عشرات المرات من عدة غزاة ومستعمرين، والآن يُعاني من شعب يُمعن في خنقه بغوغائية، وسياسيوه مستمرون في نهبه.
ما يهم أن يتبنى رئيس الحكومة العتيد خطة إصلاحية متدرجة تبدأ بإعطاء الاقتصاد خاصة القطاع المالي، أولوية واستقراراً سياسياً لكي يُعاود النهوض.
ما يهم أن يتبنى رئيس الحكومة الحالي مشروع قانون انتخابي عادل على أساس تمثيل أوسع، وليس القانون المفصل على قياس الأحزاب والزعامات.
وما يهم، هو أن لا يتبع هذا الرئيس الإملاءات الخارجية ولا نزوات الأحزاب الداخلية.
يحتاج لبنان إلى شخص وطني غير أناني، مثقف ومتعلم ولديه الجرأة لاتخاذ موقف حاسم وحازم، ولا يتصرف مع البلد وكأنه شركة من شركاته ولا مع المواطنين وكأنهم موظفون لديه.
أولوية هذا الرئيس يجب أن تكون في العمل الجدّي والفوري لتأليف حكومة تضم أشخاصاً مؤهلين، مثقفين، متعلمين ومتخصصين.
لن نضحك على بعضنا البعض ونقول لا يتبعون أحزاباً. فمن الصعب إيجاد أشخاص في لبنان لا يميلون لحزب ما.
وفي اللعبة الديمقراطية، دوما ما تكون الحكومات من لون الحزب الحاكم الذي ربح الانتخابات أصلا. لكنهم في الدول المتقدمة عادة ما يكونون متحزبين متخصصين في شؤون وزاراتهم، بعكس لبنان. وهذا ما يجب على الرئيس المكلّف فهمه.
إن طلب الناس تعيين وزراء تكنوقراط غير متحزبين في بلد عدد أحزابه أكثر من عدد شعبه (وهذا مثال على حب المبالغة في لبنان)، هو كمن يطلب لبن العصفور.
فلنكن منطقيين وموضوعيين. أعطوا أيّاً كان فرصة ٦ أشهر واجلدوه بعدها إن أخطأ أو لم يرتق لمستوى تطلعاتكم.
هذا الوطن بحاجة إلى من يُعطي استقرارا لنصف سنة على الأقل يستطيع فيها لبنان أن يبدأ بالتنقيب الاستكشافي عن النفط، وبعدم التنازل لإسرائيل تحت الضغوط الأميركية عن أي شبر من الأرض والمياه الإقليمية والاقتصادية الخالصة، ولا الخضوع لإملاءات أحزاب تُمول من الخارج.
وهذا الوطن بحاجة إلى استراتيجية دفاع تمنع أحزابه من التدخل العسكري واللفظي في دول أخرى لكنها تُعزز من دعمها لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي والتهديدات الإرهابية لأرض لبنان. وهذا الوطن بحاجة لشخص يرفض تمنيات الأشقاء العرب بشأن أي من مشاكلهم الخاصة. لا يوجد حزب أكبر من دولته، ولا يوجد زعيم أكبر من دولته. الكل إمّا أن يكون تحت مظلة هذا الوطن ويؤمن به كوطن نهائي له ويدافع عنه فقط وليس عن دول ثانية، أو ليتفضل مشكوراً بالبحث عن وطن بديل.
سأحاول أن أكون متفائلة بأن لبنان سيجد شخصاً يقود هذه المرحلة. هناك عدة أسماء مطروحة وكلّها أسماء ممتازة وأعرف معظمهما من د. خالد قبّاني الذي درّسني مادتي القانون الإداري، والقانون الدستوري، إلى السفير القاضي نوّاف سلام والوزير السابق د.حسّان دياب، نائب رئيس الجامعة الأميركية في بيروت. لكن، وكما من قبلهم، ممن تم حرق عدة أسماء في أتون رئاسة الحكومة، الآن تطاولهم كمية شائعات مخيفة.
كُلّما طُرِحَ اسم من جهة، أحرقه الطرف الآخر من منطلق: أنا أو لا أحد، كطفل مدلل لا يريد أن يلعب أحد غيره. فهذا "رجل أميركا في لبنان" وذاك "فلسطيني مجنس" وهذا "فاسد صديق السلطة" وهذا "تريده قوى 8 آذار" وذاك "14 آذار" وإلى ما هناك.
والناس في لبنان يذوبون حباً بالشائعات. فإن أعطيتهم الحقيقة ناقشوك فيها حتى يغلبوك، وإن أعطيتهم إشاعة، تلقفوها دون جدال.
إليكم مثالاً بسيطاً.. استعمل الخصوم السياسيون التزوير والتأليف لإقصاء أحد المرشحين وقيل عنه إنه فلسطيني الأصل، بينما هو من بلدة مزبود اللبنانية في إقليم الخروب ولبناني أبا عن جد ورقم سجلّه 94. عندما قلت إنه لبناني، انبرى الناس للمحاججة وعن جهل.
ولديك دوماً تلك المجموعة من الناس التي لا يُعجبها شيء وهي لا تعرف ماذا تُريد وتدّعي أنها تتكلم باسم الشعب، وبالتالي تعتبر نفسها أغلبية، لكن جزءاً كبيراً من الشعب لا يستطيع فهمها.
يريدون إسقاط كل النظام، ويرفضون كل الأسماء المقترحة للرئاسة الحكومة، ويرفضون إعطاء أي شخص فرصة لإثبات نفسه، وكأنما هدفهم هو نشر الفوضى فقط. استساغوا شل البلد ويستمرون في ذلك، بحجة أنهم صوت الأغلبية، فيما هم بضعة آلاف في بلد الأربعة ملايين نسمة.
ولديك الفئة التي تثور بسبب كلمة، وهم أيضا يرون في نفسهم أغلبية محقة، فينزلون إلى الشارع عند أول إشارة، أو لأي سبب كان مهما كان تافها، كفيديو قديم العهد أُعيد نشره مجددا. يكسرون ويضربون ويؤذون غيرهم بحجة سماعهم لشتيمة ضد زعيمهم، أو مقدساتهم، وكأن الشتيمة ستنتقص من قدر المقدسات.
لبنان لا يحتاج إلى سياسيين جدد فقط، بل يحتاج إلى محو أميّة هذا الجزء الجاهل من شعبه أيضا.