على غير موعد وجدتني بينهم على رصيف أحد الشوارع الخلفية بحي العجوزة، والذي تحول إلى جزء من المقهى، الذي اعتادوا الجلوس عليه كل مساء، ولا عجب في ذلك فالمقهى في مصر هو البرلمان الشعبي المشرعة أبوابه دوما والمتسعة مناقشاته لمختلف القضايا من الرياضة إلى السياسة ومن الفن إلى الاقتصاد.
أخذنا الحديث عن الشارع القريب من المسكن، الذي عاش فيه مؤسس النظام الخاص لجماعة الإخوان، عبد الرحمن السندي، إلى كيف كان هذا الحي في نطاق المسئولية التنظيمية للقيادي الإخواني، صلاح شادي، وعن القيادات العسكرية والأمنية، التي تسكن في محيط هذا الشارع وكيف أنهم عاشوا وماتوا "مستورين" تربطهم علاقات الود والمحبة بسكان الحي.
كانوا ثلاثة وهم الزميل خالد سليمان الصحفي المصري المقيم بتونس والزميل محمد حميدة مراسل بي بي سي في القاهرة والمهندس أشرف محمد حسنين وهو نجل المهندس محمد حسنين أحد مؤسسي مجمع الحديد والصلب في مصر وأحد مديريه المهمين، والذي أخذنا بذكرياته عن والده، الذي أسهم في تأسيس مجمع الحديد والصلب في الشقيقة الجزائر إلى أبي الصناعة المصرية وأول وزير للصناعة في مصر، عزيز صدقي، وكيف تولى الوزارة وهو في بداية الثلاثينيات من عمره، وقادنا الحوار دون ترتيب عن الشباب ودورهم وأهمية أن يتولى الشباب المناصب القيادية في الدولة وأن يمنحوا الفرص لإثبات وجودهم.
بعد هذه الجلسة بعدة أيام أعلنت حركة المحافظين ونوابهم في مصر والتي حظي الشباب فيها بالنصيب الأكبر سواء كانوا من شباب البرنامج الرئاسي أو تنسيقية الأحزاب، بعض من ضمتهم القائمة أصغر سنا من عزيز صدقي وقت توليه الوزارة وبعضهم أكبر منه سنا وجميعهم من ذوي الكفاءات، حسبما نرصد من سيرتهم الذاتية.
إنه تحول مهم في طريقة التعامل مع الشباب في مصر فإتاحة الفرصة أمام هؤلاء أمر في غاية الأهمية، وتجديد دماء النخبة الحاكمة والطبقة السياسية المصرية مهمة تقع على عاتق الجميع.
وهنا لابد من الإشارة لتحولين مهمين في مسيرة العمل الشبابي في مصر الأول هو منتديات الشباب بنسختيها المصرية والدولية، والثاني هو الأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب والبرنامج الرئاسي.
فالأول كان النافذة الأوسع التي أطل منها الشباب المصري وأدار من خلالها حوارات معمقة مع الرئيس والوزراء وكبار رجال الدولة وهو الأمر، الذي أكسب القطاع الشبابي في مصر خبرات تراكمت بتكرار التجربة واتساع المجال للمشاركة، ولا ننسى أن حوارات الشباب مع القيادة السياسية في تلك المنتديات كانت وراء الكثير من المبادرات من أهمها عمليات الإفراج المتتالية عمن لم يثبت تورطهم في العمليات الإرهابية، كما أنها ساهمت في إعادة النقاش بشأن عدة قرارات وتشريعات تم إقرارها، بل وكانت في بعض الأحيان سببا في تعديل مسار عدد من المشروعات المهمة.
أما التحول الثاني ونعني به البرنامج الرئاسي والأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب فكان بمثابة البوتقة، التي انصهر فيها الجميع وخضعوا لبرامج تدريبية وتأهيلية محترفة ساهمت في رفع كفاءة الشباب وصقل مهاراتهم.
إن الحديث عن تمكين الشباب في مصر يتحول الآن إلى واقع ملموس وإيمان القيادة السياسية بدورهم يعطيهم دفعة قوية ليتصدروا المشهد محميين بكفاءتهم، وهذا هو الأهم.
قد يكون للبعض تحفظات من هنا أو هناك، وقد يغالي البعض في توجيه الانتقادات بشأن تجديد النخبة الشبابية المصرية وفقا لمعايير الكفاءة والولاء، لكن المؤكد أن قطار الشباب المصري قد انطلق وأن أحدا لن يستطيع إيقافه وأن ما كان يوصف بـ"دولة العواجيز" لم يعد له وجود فالشباب الذين هم نصف الحاضر وكل المستقبل قد بدأوا في التقدم على الطريق المفتوح فتحية لمن آمن بدورهم وتحية لمن مهد الطريق أمامهم.