للحرب في اليمن جانب جدير بالاهتمام –بما أنها الحرب الأولى التي تتولى معظم زمامها دول عربية منذ زمن طويل– يتمثّل في تدوين الدروس المستفادة من ميدان القتال المسلح، وساحات الحرب التجارية والاعلامية والنفسية، وجوانب التطوير في العتاد والاشتباك، والأخيرة تدونها منذ اندلاع القتال مراكز بحثية في الغرب والشرق تمهيدا لبيع الاستشارات – وليس ثمة مستشار أفضل من عنصر مواجهة قدم تقريرا ميدانيا.
في المقام الأول يأتي تعريف ودراسة عوامل الاختلال "disruptors"، وتنقسم إلى عوامل الاختلال في الاستعدادات ومثيلتها في المواجهات. لا بد هنا من التأكيد على مواكبة تسارع وتيرة الأحداث، نظرا لافتقاد العسكريين لرفاهية الوقت المتاحة نسبيا لأجهزة الأمن الداخلي ذات النفس الطويل والإعداد الأهدأ.
عوامل الاختلال تدرس كذلك من منطلق وضعية الخصم لاستهداف عوامل الاختلال المؤثرة فيه. الأقدر على فرض السيطرة في أقرب وقت هو الأقدر على درء مخاطر هذه العوامل وتسخيرها ضد الآخر.
للأسباب السابقة، الحاجة تدعو دول التحالف –من خلال مراكز أبحاث قواتها المسلحة– إلى الاستنفار لاستغلال هذه العوامل لصالح حسم الصراع، وليس بالضرورة انتظار ما يرد من معلومات من ساحات القتال، وإنما إعادة تناول المعلومات السابقة قد تفضي إلى استنتاجات جديدة واستباقية.
تمتد هذه الجهود لتحديد واستهداف المكامن الصحيحة في ساحة الحرب النفسية عبر وسائل الإعلام والتواصل. توجد حاليا نماذج ودراسات حالة مبعثرة لم تجد من يتصدى لجمعها وتصنيفها وتحليلها في المجتمع المعرفي الناطق بالعربية في الساحة العامة، وإن كان هناك من جمعها إحصاءا من قصاصات الأخبار، وأرجو أن لا يكون مجتمع البحث الأمني والعسكري لدول التحالف قد أغفل بعض جوانبها الخفية.
في المقام الثاني تبرز إدارة الأنصبة للسلع الاستراتيجية الدولية، وبالتحديد في مساومات التهدئة وجهود السلام والتنمية ما بعد الحرب. فهنالك دول كبرى فاعلة تنتظر محاصيلها الغذائية وأدويتها وأدواتها الصناعية وموادها الخام النصيب الاستهلاكي الوفير في إقامة أود الإنسان وإعادة إعمار البلد بعد الحرب. هذه الدول تكافأ على مواقفها من الوضع القائم، وليسوا سواءا ولا موقف بعضهم ثابت إيجابا.
لكن الحرب التجارية القائمة بين أقطاب ومعسكرات دولية في هذه المرحلة تعقد ما كان أبسط في السابق. تجدر الإشارة هنا إلى أن حتى التلميح بالمساومة أثناء دوران رحى الحرب من قبل حليف فعلي أو مزعوم هو ابتزاز ضمني، وللدول التي تخرج من الحروب منتصرة أن تعاقب المبتز وتحجّم المساوم.
قد يخرج صوت شعبوي متعصب ليقول على دول التحالف أن تحتكر جهود إنعاش اليمن، إلا أن الساحة الدولية تفرض مبدأ "ما عاش من عاش لنفسه فقط"، ولنقل أن اقتسام كعكة التنمية هو استثمار في دعم أو تحالف مستقبلي وارد جدا أو معاملة بالمثل عند الحاجة.
في المقام الثالث، يتوجب تعميم رسائل معززة للعقيدة الوطنية، مستوحاة من الدروس المستفادة، توجه لعموم مجتمعات دول التحالف، تفند بأثرين – رجعي وقائم– ما سعى ويسعى إليه المرجفين من الطوابير الخامسة وشركائهم الخارجيين وبعض ضحاياهم من ناشري الهلع والتثبيط، تصاغ وتنقل بسياقات وأمثلة تحفر في الذاكرة الجمعية والوعي المجتمعي ما أراد له المغرضون أن يحدث وما تحقق خلافا له. بذلك تبني الدولة رصيد الثقة لدى الشعب وتبرز جدوى الإخلاص المستدام والتضحيات التي مضت، ليتم استحضار كل ذلك عندما يستدعي الوضع مستقبلا.