مع عودة دونالد ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض، عاد ملف تهجير الفلسطينيين من غزة إلى الواجهة، في خطوة وصفها مراقبون بأنها الأخطر على مستقبل القضية الفلسطينية منذ "صفقة القرن".
يترافق ذلك مع تصاعد الدعوات الإسرائيلية لنقل سكان القطاع إلى مصر والأردن، وهو ما قوبل برفض واسع على المستوى الفلسطيني والعربي.
في هذا السياق، يؤكد المتحدث باسم حركة "فتح"، جمال نزال، خلال حديثه للتاسعة على سكاي نيوز عربية أن المخطط يحمل أبعادًا كارثية، وأن الحركة لن تتهاون في مواجهته. فهل يمثل هذا التحرك مجرد مناورة انتخابية من ترامب، أم أنه جزء من استراتيجية أميركية إسرائيلية لإعادة تشكيل الخريطة السياسية للمنطقة؟
ترامب وعودة الحديث عن مشروع التهجير
الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يخفِ دعمه الكامل لإسرائيل، وعُرف بمواقفه الحادة تجاه القضية الفلسطينية، بدءًا من نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وصولًا إلى إعلانه عن "صفقة القرن".
والآن، يتجدد النقاش بشأن خططه للتعامل مع الملف الفلسطيني، خاصةً في ظل دعوته الصريحة لنقل سكان غزة إلى مصر والأردن.
في تصريحاته الأخيرة، أعرب ترامب عن أمله في أن "يستجيب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لمقترحه"، مؤكدًا أن الولايات المتحدة "ساعدت مصر كثيرًا" خلال السنوات الماضية.
كما أشار إلى أن ملك الأردن قد يكون "مساعدا في هذه القضية". هذه التصريحات أثارت ردود فعل غاضبة، خصوصًا مع تأكيد المسؤولين المصريين والأردنيين رفضهم القاطع لأي مشاريع تهجير.
موقف فتح.. رفض قاطع وتحذيرات من كارثة إقليمية
جمال نزال، المتحدث باسم حركة "فتح" وعضو المجلس الثوري للحركة، كان من أوائل المسؤولين الفلسطينيين الذين حذروا من خطورة المخطط، إذ أكد أن القيادة الفلسطينية رفضت "صفقة القرن" سابقًا، وتعتبر أي محاولة جديدة لتهجير الفلسطينيين "غير مقبولة تمامًا".
وقال نزال:
- "هناك نسخة أكثر خطورة من الصفقة الحالية تهدد الوضع في غزة".
- "سموتريتش يدعو إلى إزاحة سكان غزة، مستندًا إلى القلق من العنف في المنطقة".
- "فرضية التهجير من غزة أو الضفة الغربية إلى مصر أو الأردن ستكون لها عواقب وخيمة".
- "تدفق اللاجئين إلى سيناء قد يؤدي إلى تفجر أزمات أمنية ومقاومة ضد الاحتلال".
تحذيرات نزال لم تتوقف عند الجانب الفلسطيني، بل شملت تداعيات إقليمية قد تتسبب في عدم استقرار طويل الأمد، مؤكدًا أن "وجود قلاقل في الأردن وسيناء قد يدفع إسرائيل للتدخل العسكري في الدولتين، مما ينذر بتوسيع نطاق العمليات العسكرية الإسرائيلية".
هل تسعى إسرائيل لاستمرار الحرب؟
يعتقد نزال أن إسرائيل "لا ترغب في إنهاء الحرب"، وأنها "قد تتلقى تشجيعًا من أطراف دولية للاستمرار فيها".
وأضاف أن "إسرائيل تفضل الاستمرار في الصراع، وفي حال إجبارها على وقف العدوان، ستستخدم حماس كذريعة للاعتداء على الشعب الفلسطيني".
ويتفق محللون سياسيون مع هذه الرؤية، حيث أشاروا إلى أن التصعيد الإسرائيلي الأخير في الضفة الغربية يُبرر بمخاوف من "تكرار أحداث 7 أكتوبر"، وهو ما تستخدمه تل أبيب لإبقاء التوتر قائمًا في المنطقة.
الدور العربي.. دعم وتأثير على القرار الأميركي
نزال تطرق أيضا إلى أهمية الدور العربي في مواجهة المخططات الإسرائيلية الأميركية، مشيرًا إلى أن الدول العربية، خصوصا الخليجية، تمتلك اقتصادا يعادل اقتصاد دول كبرى مثل إيطاليا، ما يمنحها نفوذا متزايدا على الساحة الدولية.
وأكد أن "الدول العربية تدعم القضية الفلسطينية بشكل جاد، والحرص على الأمن القومي العربي يساهم في هذا الدعم". كما أشار إلى أن "الضغط العربي قد يؤثر على ترامب فيما يتعلق بفكرة الضم أو التهجير".
إلى جانب ذلك، شدد نزال على أن "الحديث عن قبول دولة فلسطينية في حدود 67 يُعتبر مراوغة من بعض الأطراف، حيث أن بعض الفصائل الفلسطينية عرقلت جهود السلام في الماضي عبر تنفيذ هجمات ضد إسرائيل كلما اقتربت المفاوضات من تحقيق تقدم".
الصراع الداخلي الفلسطيني
لم يكن موقف "فتح" الرافض للتهجير هو الملف الوحيد على الطاولة، بل تطرقت تصريحات نزال إلى الانقسام الفلسطيني الداخلي، حيث اتهم حماس بأنها "تستدرج إسرائيل إلى حروب دورية بأوامر من إيران، مما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع".
كما شدد على أن "مقاومة تشكيل حكومة فلسطينية مشتركة مع حماس قد يؤدي إلى أزمات جديدة"، وأن "حماس يجب أن تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية وتقبل بالتزاماتها وقرارات الشرعية الدولية"، وهو ما ترفضه الحركة حتى الآن.
وفي إشارة إلى هجوم 7 أكتوبر، قال نزال إنه "كان يهدف لتعطيل السلام السعودي-الإسرائيلي الذي قد يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية"، مما يضع علامات استفهام حول نوايا حماس الحقيقية بشأن مستقبل الدولة الفلسطينية.
أي مستقبل ينتظر الفلسطينيين؟
يبدو أن القضية الفلسطينية تدخل مرحلة حرجة مع تصاعد الضغوط الدولية والإقليمية. في ظل هذه الظروف، يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن للفلسطينيين مواجهة هذه التحديات؟.
حركة "فتح" تتمسك برفض التهجير، وتؤكد أن مستقبل القضية يجب أن يُحسم عبر مفاوضات سياسية قائمة على حل الدولتين. في المقابل، يبقى موقف "حماس" محل جدل، وسط اتهامات لها بالسعي إلى تكريس سلطتها في غزة بأي ثمن.
بينما يستعد العالم لانتخابات أميركية قد تعيد ترامب إلى البيت الأبيض، يبقى الفلسطينيون في مواجهة تحديات غير مسبوقة، بين ضغوط التهجير، والانقسام الداخلي، والموقف العربي المتباين. ما إذا كانت هذه الأزمات ستقود إلى حلول سياسية أم مزيد من التصعيد، فهذا ما ستكشفه الأشهر المقبلة.