بعد سنوات من الجمود والضغوط السياسية، يعود ملف مرفأ بيروت إلى الواجهة مع إعلان القاضي طارق البيطار استئناف التحقيقات، في خطوة تترقبها الأوساط اللبنانية والدولية.

ويأتي هذا القرار في أعقاب انتهاء الحرب الأخيرة التي أضافت مزيدا من التعقيدات إلى المشهد الداخلي في لبنان. ومن الواضح أن الأجواء قد تغيرت، حيث صرح القاضي بيطار بأنه مستعد لمواجهة التحديات، مؤكداً أن تحقيقاته ستستند إلى أدلة دامغة ومعلومات جديدة قد تسهم في الكشف عن المسؤولين الفعليين وراء الكارثة.

ومنذ انفجار 4 أغسطس 2020 الذي هزّ العاصمة بيروت وأودى بحياة أكثر من 200 شخص وأصاب الآلاف، بات ملف التحقيقات أحد أكثر القضايا حساسية في لبنان، إلا أن التدخلات السياسية والملاحقات القضائية المتبادلة بين بيطار وعدد من المسؤولين عرقلت مسار العدالة.

ومن بين التحديات السياسية والضغوط الشعبية، تُعد عودة القاضي طارق بيطار لاستكمال التحقيق في ملف مرفأ بيروت خطوة شجاعة نحو كشف الحقيقة وتحقيق العدالة.

آمال شعبية بمحاسبة المتورطين

ويرى اللبنانيون في استئناف التحقيق فرصة أخيرة لمحاسبة المسؤولين وإنصاف الضحايا.

ويقول والد إحدى الضحايا لموقع "سكاي نيوز عربية" إنه "في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، باتت هذه القضية تمثل اختبارا حقيقيا لقدرة القضاء على العمل باستقلالية بعيدا عن الضغوط السياسية".

التحديات حاضرة

وحول استئناف التحقيقات، يقول رئيس مؤسسة "جوستيسيا" الحقوقية في بيروت، المحامي بول مرقص، لموقع "سكاي نيوز عربية": "لا يمكن إنكار تراجع قدرة حزب الله على التأثير على المواضيع السياسية والعامة في لبنان عموماً، لكن بموضوع المرفأ تحديداً، التأخيرات متشعبة وليست مقتصرة على حزب الله فقط".

ويضيف: "هذه القضية لها امتدادات قانونية وقضائية، حيث توقف التحقيق بسبب تقديم عدد من طلبات الرد بحق القضاة، وهذا مسلك قانوني لم يتغير رغم التغييرات في الأوضاع السياسية هذا من جهة.. من جهة أخرى إن تأثير حزب الله لا يزال تأثيراً وازناً في لبنان ولم ينعدم، وبالتالي أعتقد أن التحقيقات في ملف المرفأ ربما تقبل على حلحلة إلا انها ليست خالية بالمطلق من أي صعوبات والتحديات لا زالت حاضرة".

أخبار ذات صلة

اللبنانيون يحيون الذكرى الرابعة لانفجار مرفأ بيروت
نفي لبناني لتخزين حزب الله أسلحة بمطار بيروت

الملف الأمني أصبح أقل تأثيرا

يقول المحلل في الشؤون القضائية يوسف دياب لموقع "سكاي نيوز عربية": "تختلف المرحلة الحالية عن مرحلة ما قبل إضعاف حزب الله، حيث كان الضغط الأمني على الواقع القضائي في لبنان أقوى بكثير".

ويضيف: "اليوم، خفت الضغوط الأمنية على القاضي بيطار، لأن حزب الله لم يعد بموقع القيام بتحركات على الأرض لتهديد القضاة".

ويتابع: "لكن هناك حلفاء لحزب الله لا يزالون يحاصرون القاضي بيطار في دعاوى قضائية ضده". ويعتقد دياب أن الاجتهاد الذي قام به بيطار قد يحرره إلى حد ما.

واعتبر أن "المحقق العدلي لا يمكن ان يخاصم طالما أنه ينظر بقضية تتعلق بأمن الدولة وبالاعتداء على أمن الدولة وطالما أن هذه القضية محالة إلى المجلس العدلي بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء وبالتالي فهو حيّد نفسه عن كل هذه الدعاوى  القضائية".

ويصف دياب الوضح الحالي فيقول: "الملف الأمني بات أقل تأثيرا من السابق وهذا يمّكن القاضي بيطار من القيام بإجراءات  جديدة ولكن هذا لا يعني أن الأجهزة الامنية ستتعاون معه باعتبار أن هذه الأجهزة الأمنية لا تزال خاضعة لقرار السلطة السياسية".

ويختم بالقول: "بتقديري سوف يستكمل القاضي طارق بيطار إجراءاته من خلال استدعائه لأشخاص مدعى عليهم سياسيين كانوا أم أمنيين وإذا مثلوا سوف يستجوبهم وإذا لم يمثلوا قد يلجأ إلى إصدار مذكرات توقيف غيابية بحقهم وبعدها يحول الملف على المطالعة ومن ثم يصدر القرار الظني بالقضية".

تحركات لأهالي الضحايا

تتابع العديد من الدول والمؤسسات الدولية مجريات التحقيق، نظراً للتداعيات الإنسانية والسياسية التي سبّبها الانفجار. وقد طالب المجتمع الدولي مراراً بتحقيق شفاف ومستقل.

عودة بيطار للتحقيق قد تجدد الآمال في تحقيق العدالة، خاصة مع الدعم الشعبي الكبير الذي يحظى به من أهالي الضحايا والمجتمع المدني.

في هذا الصدد، يقول الناشط في القضية وشقيق إحدى الضحايا وليم نون لموقع "سكاي نيوز عربية": "نحن كأهالي ضحايا نعمل مجدداً على الملف بطريقة قانونية".

ويضيف نون: "قبل الحرب كان الضغط قويا جدا على توقيف هذا الملف بشكل مباشر من حسن نصر الله شخصيا، حيث كان يريد تغيير القاضي بيطار".

وتتلاشى الضغوط السابقة حاليا، ويقول نون: "بدأنا عدة جولات عند المسؤولين والمعنيين بالملف، وسنلتقي القاضي بيطار يوم الجمعة لنتحرك بشكل قانوني كي نتمكن من أخذ قرار ظني قبل نهاية العام، كما كنا موعودين".