مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تتجه الأنظار في أوروبا نحو رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، التي وجدت نفسها في قلب مهمة حساسة مع رئيس أكبر اقتصاد في العالم، حيث يعتمد الزعماء في القارة العجوز على هذه "المرأة الرائعة"، لإقناع ترامب بالتراجع عن تهديده، فرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي.

لقبُ أو ووصفُ "المرأة الرائعة"، أطلقه ترامب على رئيسة الوزراء الإيطالية أثناء زيارتها له في فلوريدا قبل نحو 15 يوماً من تنصيبه رئيساً لأميركا، لتعود ميلوني مرة أخرى إلى الولايات المتحدة منذ أيام قليلة، وتشارك في حفل تنصيب ترامب، حيث كانت الزعيمة الأوروبية الوحيدة التي حضرت الحفل، في خطوة أبرزت تقاربها الشخصي معه، وعززت الآمال بإمكانية التأثير عليه في قراراته المستقبلية.

ومنذ خوضه غمار الانتخابات الرئاسية مرة جديدة، كرر ترامب تهديده بفرض رسوم جمركية قد تصل نسبتها إلى 10 بالمئة على السلع الأوروبية التي تدخل الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن بلاده تواجه اختلالات تجارية مع دول الاتحاد الأوروبي، التي يتوجب عليها العمل لتخفيض العجز التجاري المتزايد من خلال إبرام صفقات نفط وغاز ضخمة مع أميركا.

أخبار ذات صلة

القرار خلال 30 يوما.. ترامب يكشف خطته بشأن أزمة "تيك توك"
هل تتخلص أميركا من "البنس" لتقليل الإنفاق الحكومي؟

عجز تجاري بقيمة 124 مليار دولار

تُظهر بيانات وزارة التجارة الأميركية، أن إجمالي تجارة السلع والخدمات مع الاتحاد الأوروبي بلغ 1.36 تريليون دولار في 2023، بواقع صادرات أميركية بقيمة 620 مليار دولار، وواردات أوروبية بقيمة 743.3 مليار دولار، ليبلغ العجز التجاري الأميركي في السلع والخدمات مع الاتحاد الأوروبي 124 مليار دولار، وهو ما يسعى ترامب إلى تعويضه من خلال التوصل إلى صيغة تجارية تنهي العجز.

كما يطمح ترامب إلى تحويل جزء من مصانع الشركات الأوروبية في العديد من القطاعات الحيوية إلى السوق الأميركية، ضمن خطة للوصول إلى أدنى نسبة بطالة على الإطلاق، وهو الجانب الآخر الذي يخشاه الأوروبيون.

أخبار ذات صلة

ميتا تعتزم استثمار 65 مليار دولار بالذكاء الاصطناعي في 2025
ترامب يقول إنه يفضل عدم فرض رسوم جمركية على الصين

ترامب وأوكرانيا والناتو

وبصرف النظر عن موضوع الرسوم الجمركية المحتملة، يخشى القادة الأوروبيون أن يتمكن ترامب من إبرام صفقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بشأن مصير أوكرانيا دون الأخذ بالاعتبار المخاوف الأمنية الأوروبية، إضافة إلى خشيتهم من تخلي ترامب عن حلفاء الناتو في حال فشلوا في زيادة الإنفاق الدفاعي، حيث يسعى الرئيس الأميركي الجديد إلى رفع هدف الإنفاق الدفاعي لدول حلف شمال الأطلسي مما نسبته 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 5 في المئة، وهو هدف صعب بالنسبة لدول مثل إيطاليا وفرنسا وألمانيا التي بالكاد تنمو اقتصاداتها والتي تكافح لكبح جماح الإنفاق العام والديون.

ويقول أنصار ميلوني إن علاقتها المميزة مع الإدارة الأميركية الجديدة، تمنحها فرصة أفضل من أي من أقرانها في الاتحاد الأوروبي للدفاع عن قضية التعريفات الجمركية وغيرها من التدابير التي قد تتخذها أميركا، علماً أن العلاقة التي تربط ميلوني بترامب جديدة نوعاً ما، فخلال ولاية دونالد ترامب الأولى، كانت ميلوني مجرد سياسية إيطالية من أقصى اليمين، ولا تملك نفوذاً سياسياً كبيراً.

وتولت ميلوني، وهي عضو في حزب إخوة إيطاليا اليميني، منصبها في أكتوبر 2022، وفي صيف عام 2023 توطدت علاقتها بإيلون ماسك الذي كان الضيف الأبرز للمؤتمر السياسي الذي عقده حزب إخوة إيطاليا. ومنذ ذلك الحين، أقام ماسك المقرب من ترامب، علاقات شخصية وسياسية قوية مع ميلوني، وهو ما ساعدها في التقرب من الرئيس الأميركي الجديد.

BDSwiss: الأسواق ستتأثر جدا في الوقت الراهن بتصريحات ترامب

ميلوني بين ترامب وأوروبا

وبحسب تقرير أعدته "فايننشال تايمز" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يقول جيوفاني أورسينا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة "لويس" في روما، إن أوروبا في حالة من الضعف الرهيب وتخشى بشدة أن تفقد حماية الولايات المتحدة، كما تخشى جداً أن يفعل ترامب شيئاً ضاراً للغاية لها، مشيراً إلى أن الاتحاد الأوروبي لطالما اعتبر ميلوني "متطرفة خطيرة" كونها تنتمي إلى حزب يميني، ولكن يبدو أن المؤسسة الأوروبية باتت الآن تعلق آمالها عليها باعتبارها "قناة الاتصال" مع ترامب.

بدوره يرى ستيفانو ستيفانيني، السفير الإيطالي السابق لدى حلف شمال الأطلسي، أنه ربما تلعب ميلوني في الأشهر المقبلة، دوراً مفيداً في محادثاتها مع ترامب بشأن أوكرانيا والأمن، بما في ذلك محاولة إقناعه بقبول زيادة تدريجية، في الإنفاق الدفاعي من قبل دول الناتو، لافتاً إلى أنه من خلال إقامة علاقة ثنائية ناجحة مع واشنطن، يمكن لميلوني أن تُظهر لقادة أوروبيين آخرين أن هذه هي أفضل طريقة للتعامل مع إدارة ترامب، محذراً في الوقت من أن ميلوني قد تحقق نجاحاً أكبر في حماية بعض المنتجات الإيطالية من تعريفات ترامب، ولكن هذا قد يؤدي إلى احتكاك بين روما والمفوضية الأوروبية، التي تدير السياسة التجارية نيابة عن الكتلة.

فرص جيدة أمام ميلوني

من جهته يقول البروفسور بيار الخوري وهو عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا،  في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، تمتلك فرصاً جيدة للعب دور الوسيط بين الاتحاد الأوروبي والإدارة الأميركية، خصوصاً إذا تمكنت من استخدام هذه العلاقة لتقديم حلول ترضي الطرفين، مثل تعزيز التعاون الاقتصادي أو تقديم تنازلات محددة، ومع ذلك، فإن نجاح ميلوني في هذه المهمة يعتمد على مدى استعداد ترامب للاستماع إليها، إضافة إلى دعم القادة الأوروبيين لجهودها.

ويلفت الخوري إلى أن نجاح ميلوني في هذه المهمة قد يعزز مكانتها كقائدة أوروبية ذات نفوذ دولي، ويمنح إيطاليا دوراً ريادياً في العلاقات مع الولايات المتحدة ويزيد من تأثيرها داخل الاتحاد الأوروبي، في حين أن الفشل سيجعل ميلوني تواجه انتقادات من القادة الأوروبيين الذين سيعتبرون أنها لم تدافع بما يكفي عن المصالح الأوروبية، مما قد يؤدي إلى تراجع مكانتها السياسية، خصوصاً إذا استغلت قوى أوروبية أخرى هذا الفشل لتعزيز نفوذها.

ترامب في دافوس.. تصريحات مثيرة للجدل

تداعيات رسوم ترامب

وبحسب الخوري فإنه في حال فرض ترامب رسوم جمركية بنسبة 10 في المئة على السلع الأوروبية، ستشهد الاقتصادات الأوروبية آثاراً سلبية، حيث ستتأثر الصناعات التصديرية الكبرى مثل السيارات الألمانية، والأزياء والسلع الفاخرة الإيطالية، والمنتجات الزراعية الفرنسية والإسبانية، فهذه الرسوم سترفع تكاليف المنتجات الأوروبية في السوق الأميركية، مما يقلل من قدرتها التنافسية ويؤدي إلى تراجع الصادرات، مشيراً في هذا السياق إلى أن القطاع الصناعي الأوروبي سيواجه ضغوطاً قد تدفعه إلى خفض الإنتاج وتسريح العمال، مما يزيد من التحديات الاقتصادية داخل الاتحاد الأوروبي، في حين أن الدول الصغيرة داخل الاتحاد، ستتأثر بشكل غير مباشر نتيجة انخفاض الطلب الإجمالي وتصاعد التوترات التجارية.

ويعتبر الخوري أنه لخفض العجز التجاري مع الولايات المتحدة دون المساس بالمصالح الاقتصادية، يمكن لدول الاتحاد الأوروبي تعزيز واردات الطاقة الأميركية، مثل الغاز الطبيعي والنفط، كما يمكن لأوروبا فتح أسواق جديدة للتكنولوجيا الأميركية وزيادة التعاون في مجالات البحث والتطوير، وأيضاً تعزيز الاستثمارات المتبادلة مع الشركات الأميركية من خلال تحسين بيئة الأعمال، مشدداً في الوقت عينه على ضرورة أن تكون دول الاتحاد الأوروبي حريصة على الحفاظ على سياسات تجارية متوازنة تحمي الصناعات الحيوية الأوروبية من التأثيرات السلبية لأي تنازلات.

الزيودي: ترامب يستخدم الرسوم الجمركية كأداة تفاوضية

هل تقنع "المرأة الرائعة" ترامب بتغيير موقفه؟

من جهته يقول المحلل الاقتصادي محمد سعد، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن دونالد ترامب معروف ببراغماتيته واستعداده لتغيير مواقفه إذا وجد شريكاً قوياً ومقنعاً، ولذلك إذا لعبت ميلوني أوراقها بشكل جيد، واستخدمت العلاقة الشخصية القوية مع ترامب، مع التركيز على الحلول التي تُظهر المنفعة المتبادلة، فإنها قد تكون قادرة على إقناعه بالتراجع عن الرسوم الجمركية على أوروبا، مشدداً على أن ترامب يتأثر بالعلاقات الشخصية في اتخاذ القرارات، وكونه وصف ميلوني بـ"المرأة الرائعة" فهذا يشير إلى إعجابه بشخصيتها ويُظهر قدرتها على إقناعه بتخفيف موقفه تجاه أوروبا.

 ويعتبر سعد أن الاتحاد الأوروبي يمتلك العديد من أوراق الضغط التي يمكن له استخدامها للحفاظ على مصالحه الاقتصادية وتقليل تداعيات أي تصعيد أميركي تجاري، ونقطة القوة الأساسية في هذا المجال هي

السوق الموحدة، فالاتحاد الأوروبي يُعد واحداً من أكبر الأسواق الموحدة في العالم، ويمثل قوة شرائية ضخمة بفضل سكانه البالغ عددهم أكثر من 450 مليون نسمة، وهذه القوة تعني أن الولايات المتحدة تعتمد أيضاً على السوق الأوروبية لتصدير العديد من منتجاتها، لافتاً إلى أنه بفضل قوة اقتصاده وصادراته، يمتلك الاتحاد الأوروبي ايضاً القدرة على فرض رسوم مضادة أو تحديد حصص استيراد على المنتجات الأميركية إذا دعت الحاجة، وهذه الإجراءات قد تكون ضرورية إذا تصاعدت التوترات إلى مستوى الحرب التجارية.